الدنيا مقلوبا.
والثاني : أنه لو كان كذلك لكان يجب أن يعجب به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ إذ على كل ذلك معجبا ، ولكانوا فيما حسبوا أن ذلك ضر لهم ـ يشعرون ، لا ألا يشعرون ، مع ما قيل : (وَلا يَحْسَبَنَ) بالياء في بعض القراءة ، ومتى كان يحسب الكفرة ذلك شرّا حتى يعاتبوا على الحسبان؟! والله الموفق.
والثاني : قالوا ذلك خبر عما يئول الأمر إليه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] ، وهم لا لذلك (١) التقطوا ، وكمن يقول للسارق : سرقت لتقطع يدك ، وكما يقال : [من الوافر]
............................... |
|
لدوا للموت وابنوا للخراب (٢) |
والذي قالوه إنما هو تنبيه وإيقاظ لقوم لا يذكرون عواقب الأمور ، فيحرصون عليها عن غفلة بالعواقب ، فأمّا الله ـ سبحانه وتعالى ـ فمحال أن يكون أمره على ذلك ليكون فيما يذكره ذلك ؛ ألا ترى أن أحدا لا يقول : ولدت للموت ، أو بنيت للخراب ؛ لأنه لا لذلك يفعل ، وإن كان إليه يئول ، وإنما هو قول الواعظ لهم بما ذكرت ؛ كذلك بطل هذا ، وأمر قوم فرعون لم يقل : ليكون لهم عندهم ؛ إنما هو ليكون لهم عند الله تعالى ، وبما أراد الله ، وكان كذلك ، ولا قوة إلا بالله.
وقد بيّنا ما في الحكمة تحقيقه من طريق الاعتبار ـ ولا قوة إلا بالله ـ والأصل في ذلك أن الله ـ تعالى ـ عالم بمن يؤثر عداوته ويعاند آياته ، فإرادته ألا يكون منه ذلك حاجة إليه في موالاته ، أو إيجاب غلبة عليه في بعض ما يريد ، جل الله عن هذا الوصف.
قوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(١٧٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) :
__________________
(١) في ب : كذلك.
(٢) هذا عجز بيت وصدره :
له ملك ينادي كل يوم |
|
......................................... |
وهو للإمام على. ينظر في : ديوانه ص (٣٨) ، خزانة الأدب للبغدادي (٩ / ٥٢٩) وينسب لأبي العتاهية.