وقوله ـ عزوجل ـ : [(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ)
أوتوا العلم بالكتاب أن ما يؤتون من المال ، وينالون من النيل بكتمان بعث محمد صلىاللهعليهوسلم وصفته وتحريفهما ـ أن ذلك](١) خير لهم.
(بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ)
في الدنيا والآخرة ، ولو لم يكتموا كان خيرا لهم في الدنيا ذكرا وشرفا ، وفي الآخرة ثوابا وجزاء.
وقيل : نزلت في مانعي الزكاة ؛ بخلا منهم وشحا (٢) ؛ فذلك وعيد لهم. والأوّل أشبه ، والله أعلم. وإن كان في الزكاة ـ قيل : الجحود بها ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) [فصلت : ٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) :
فإن كان على التأويل الأول من كتمان نعته وصفته ؛ فهو ـ والله أعلم ـ يطوق ذلك في عنقه يوم القيامة ؛ ليعرفه كل أحد ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء : ١٣].
وإن كان على التأويل الثاني ـ قيل : إن الزكاة التي منعها تصير حية ذكرا شجاعا أقرع ذو ذنبتين ، يعنى : نابين ؛ فيطوق بها في عنقه ، فتنهشه بنابيها ؛ فيتقيها بذراعيه ، حتى يقضي بين الناس ، فلا يزال معه حتى يساق إلى النار (٣) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :
في الآية دلالة أن أهل السموات يموتون ، ليس على ما يقوله القرامطة : إنهم لا يموتون ؛ لأنه أخبر أن له ميراث السموات والأرض ، والوارث هو الذي يخلف المورّث ؛ دلّ أنه ما ذكرنا ، وإن كانوا هم وجميع ما في أيديهم لله ـ عزوجل ـ ملكا له وعبيدا ؛ ألا ترى أنه روي في الخبر : «لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر ، إلّا المولى من عبده» (٤) سمى ما يكون للمولى من عبده ميراثا ، وإن كان العبد وما في يده ملكا للمولى :
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في ب : «ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو».
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٤٣٢) (٨٢٧٨) عن السدي ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ١٨٤) ، وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي.
(٣) أخرجه أحمد (٢ / ٢٧٩ ، ٣٥٥) ، والبخاري (١٤٠٣) ، والنسائي (٥ / ٣٩) ، وابن خزيمة (٢٢٥٤) من حديث أبي هريرة مرفوعا : «من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ـ يعني : شدقيه ـ ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلا : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ...) [آل عمران : ١٨٠] الآية.
(٤) أخرجه البخاري (١٣ / ٥٤٢) : كتاب الفرائض : باب لا يرث المسلم الكفار (٦٧٦٤) ، ومسلم (٣ / ـ