وعن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : «ما أخذ الله ميثاقا على أهل الجهل بطلب العلم ، حتى أخذ ميثاقا من أهل العلم ببيان العلم ؛ لأن العلم كان قبل الجهل».
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) :
قيل : بما غيّروا من نعت محمد صلىاللهعليهوسلم وصفته في كتابهم وكتموه ، وتبديلهم الكتاب ، وإعجاب الناس ذلك وحمدهم على ذلك.
وقيل : إن اليهود دخلوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : نحن نعرفك ونصدقك ـ وليس ذلك في قلوبهم ـ فلما خرجوا من عند [رسول الله](١) صلىاللهعليهوسلم قال لهم المسلمون : ما صنعتم؟ فيقولون : عرفناه وصدقناه ؛ فيقول المسلمون : أحسنتم ، بارك الله فيكم : يحمدهم المسلمون على ما أظهروا من الإيمان ، وهم يحبون أن يحمدوا على ذلك (٢) ؛ فذلك تأويل قوله : (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا)(٣).
وقيل : إنهم قالوا : نحن أهل الكتاب الأول والعلم ، وأهل الصلاة والزكاة. ولم يكونوا كذلك ، وأحبّوا أن يحمدوا على ذلك (٤) ، والله أعلم بالقصّة (٥).
وفي قوله ـ عزوجل أيضا ـ : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا ..). الآية ـ دلّ ما ذم الله عباده ، وأوعدهم عليه أليم عقابه فيما أحبّوا الحمد على ما لم يفعلوا ـ على تعالى الربّ عن قول المعتزلة في قولهم : ليس لله في الإيمان
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في ب : النبي.
(٢) أخرجه أحمد (١ / ٢٩٨) ، والبخاري (٩ / ١٠٢) : كتاب التفسير : سورة آل عمران ، باب «لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا» (٤٥٦٨) ومسلم (٤ / ٢١٤٣) : كتاب صفات المنافقين ، (٨ ـ ٢٧٧٨) ، والترمذي (٥ / ١١٣) : كتاب التفسير ، باب (سورة آل عمران) (٣٠١٤) من حديث ابن عباس قال : «إنما دعا النبي صلىاللهعليهوسلم يهود ، فسألهم عن شيء ؛ فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا من كتمانهم» الحديث.
(٣) قال بنحوه قتادة : أخرجه عنه ابن جرير الطبري (٧ / ٤٧١ ، ٨٣٥٠ ، ٨٣٥١).
(٤) قال بنحوه ابن عبّاس : أخرجه ابن جرير الطبري (٧ / ٤٦٨) (٨٣٤٤).
(٥) وهناك سبب آخر لنزول هذه الآية ؛ فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ؛ فنزلت : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) [آل عمران : ١٨٨].
أخرجه البخاري (٩ / ١٠٢) كتاب التفسير : باب (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) ، (٤٥٦٧) ، ومسلم (٤ / ٢١٤٣) كتاب صفات المنافقين ، (٧ ـ ٢٧٧٧).
قال العلامة القاسمي : ولا منافاة بين الروايتين [حديث ابن عباس وحديث أبي سعيد] ؛ لأن الآية عامة في جميع ما ذكر ، ومعنى نزول الآية في ذلك : وقوعها بعد ذلك ، لا أن أحد الأمرين كان سببا لنزولها. ينظر : محاسن التأويل (٤ / ٣٢٠).