تدبير سوى الأمر ، ولا صنع ، وقد أحبّ أن يحمد عليه بقوله ـ عزوجل ـ : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧] ، وبقوله ـ عزوجل ـ : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) [الحجرات : ١٧] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) [النور : ١٠] في غير موضع من القرآن ، ولا قوة إلا بالله.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٨٩)
قال الله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) :
امتدح ـ جل ثناؤه ـ بإدخال كلية الأشياء تحت قدرته ، وبه خوّف من عاند نعمته ، وأطمع من خضع له عظيم ثوابه ؛ فلئن جاز إخراج شيء تحت القدرة عن قدرته ، لاضمحل الخوف عما خوّفه ، والرجاء فيما أطمعه ؛ إذ لم يظهر على ذلك قدرته إلا بقوله : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة : ١٢٠] ، وما لا صنع لأحد في شيء إلا بأقداره ، ومحال أن يقدر على ما لا يقدر هو عليه ، أو يزول به قدرته ؛ لما فيه ما ذكرت ؛ فلذلك قلنا في بطلان قول المعتزلة بإخراج أفعال صنع الخلق عن قدرة الله ، وامتناعه عن تدبيره ، ولا قوة إلا بالله.
قال الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.). إلى قوله ـ عزوجل ـ : (لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [آل عمران : ١٩٠] :
نقول ـ وبالله نستعين ـ : أخبر الله ـ تعالى ـ أن فيما ذكر آيات لمن ذكر ، ومعلوم أن الآيات إنما احتيج إليها لمعرفة أمور غابت عن الحواس ، يوصل إليها بالتأمّل والبحث عن الوجوه التي لها جعلت تلك الأشياء المحسوسة ، التي يغني من له اللبّ دخولها تحت الحواس ـ عن تكلف العلم بها بالتدبير ، بل علم الحواس هو علم الضرورات وأوائل علوم البشر الذي منه يرتقي إلى درجات العلوم ؛ فيلزم طلب ذلك ؛ فيبطل به قول من قال : العلوم كلها ضرورات لا تقع بالأسباب ، ولا يلزم الخطاب دون تولى الرب إنشاء العلم في القلوب بحقيقة ما فيه الخطاب ؛ إذ ذلك يرفع حق الطلب ، ويستوفي فيه الموصوف باللبّ وغير الموصوف ، والمتفكر في الأمر وغير المتفكر ، وقد قال الله ـ تعالى ـ : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ..). الآية [آل عمران : ١٩١] ، وفي ذلك دليل أن المقصود مما أظهر ليس هو ما أظهر ، إذ لزم التفكر بالذي أظهر ؛ ليوصل به إلى العلم بالذي له أنشأ الذي أظهر ، ويعلم ما جعل في الذي دليله وعمله ، وهذا لكل أنواع العلوم أن منها ظاهرا مستغنيا بظهوره عن الطلب ، وخفيّا يطلب بما له في الذي ظهر من أثر ينبئ عنه التأمل (١) ،
__________________
(١) في ب : المتأمل.