وأما الإحرام فإنه جعل الأشهر كلها وقتا له بقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ).
وقوله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها).
لا معنى لعطف هذا على الأول إلا على إضمار السؤال ، كأنهم سألوه عن الأهلة وعن إتيان البيوت من ظهورها ، فأخبر : أن ليس البر فى إتيان البيوت من ظهورها.
(وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ثم اختلف فى قصة هذا الكلام :
قال بعضهم (١) : إن بعض العرب إذا أحرم أحدهم لم يدخل بيته من بابه ، ولكن يدخل من ظهر البيت ؛ مخافة تغطية الرأس إذا دخل من بابه.
وقيل : إن بعض العرب إذا خرج أحدهم لحاجة ولم يقض حاجته ، فرجع لم يدخل البيت من بابه ، ولكن يدخل من وراء ظهره ، يكره دخول بيت غير منجح ـ يتطيرون به ـ ويتفاءلون قضاءها ثانيا. فقال الله عزوجل : (وَلَيْسَ الْبِرُّ) فيما تصنعون ، (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ
__________________
ـ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ... الحديث ، وذكر شيخنا الذهبى فى ميزانه عبد الرحمن بن يربوع فقال : ما روى عنه سوى ابن المنكدر ، وهذا غلط فإن البزار قال فى مسنده عقيب ذكره لهذا الحديث عن عبد الرحمن بن يربوع : قديم حدث عنه عطاء بن يسار ومحمد بن المنكدر وغيرهما ، وأظن أن الذى أوقع الذهبى فى ذلك كون المزى فى كتابه لم يذكر راويا عنه غير ابن المنكدر ، وكثيرا ما وقع له مثل ذلك فى كتبه ، والله أعلم.
وقال الدارقطنى فى كتاب العلل : هذا حديث يرويه محمد بن المنكدر واختلف عنه فرواه ابن أبى فديك عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع عن أبى بكر ، وقال : ضرار بن صرد عن ابن أبى فديك عن الضحاك عن ابن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبيه ، ورواه الواقدى عن ربيعة بن عثمان والضحاك جميعا عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ وقال الواقدى أيضا : عن المنكدر بن محمد عن أبيه بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن جبير بن الحويرث عن أبى بكر ، والقول الأول أشبه بالصواب ، وقال أهل النسب : إنه عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع ومن قال : سعيد بن عبد الرحمن فقد وهم ا. ه.
وللحديث شواهد كثيرة من حديث ابن مسعود وجابر وابن عمر.
حديث ابن مسعود :
أخرجه أبو حنيفة فى مسنده رقم (٢٢٣) عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أفضل الحج العج والثج» ، وأخرجه أبو يعلى (٩ / ١٩) رقم (٥٠٨٦) : حدثنا أبو هشام الرفاعى قال حدثنا أبو أسامة حدثنا أبو حنيفة به.
وذكره الهيثمى فى (المجمع) (٣ / ٢٢٧) ، وقال : رواه أبو يعلى وفيه رجل ضعيف.
(١) قاله البراء ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٠٨٢ ، ٣٠٨٣) ، وعن ابن عباس (٣٠٩٢) ، ومجاهد (٣٠٨٥ ، ٣٠٨٦) ، وغيرهم. وانظر الدر المنثور (١ / ٣٦٨).