وأما قولنا : ليس عليهم إحصار ؛ لأن الإحصار هو الجيش والحيلولة بينهم وبين دخولهم مكة ، فإذا كانوا هم فيها قادرون على الطواف بالبيت فى كل وقت ، كذلك بطل الإحصار.
وقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ).
عن ابن عمر (١) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) : شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذى الحجة (٢).
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٥٣٥ ، ٣٥٣٦) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٣).
(٢) ذهب الأئمة الثلاثة ـ أبو حنيفة والشافعى وأحمد ـ وأصحابهم إلى أن وقت الإحرام بالحج : شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة. وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وذهب مالك إلى أن وقت الحج شوال وذو القعدة وشهر ذى الحجة إلى آخره. وليس المراد أن جميع هذا الزمن الذى ذكروه وقت لجواز الإحرام ، بل المراد أن بعض هذا الزمن وقت لجواز ابتداء الإحرام ، وهو من شوال لطلوع فجر يوم النحر ، وبعضه وقت لجواز التحلل ، وهو من فجر يوم النحر لآخر ذى الحجة. وعلى هذا فالميقات الزمانى بالنسبة للإحرام متفق عليه ، إنما مرتب على مذهب المالكية جواز تأخير الإحلال إلى آخر ذى الحجة. وهذا الذى ذهب إليه المالكية قد حكى أيضا عن طاوس ، ومجاهد ، وعروة بن الزبير ، والربيع بن أنس ، وقتادة.
والأصل للفريقين قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) فالجمهور فسروا الآية بأن المراد شهران وبعض الثالث. واستدلوا بالآثار عن الصحابة. كما يدل لهم أن أركان الحج تؤدى خلال تلك الفترة. وأما المالكية فدليلهم واضح ، وهو ظاهر الآية ؛ لأنها عبرت بالجمع (أشهر) ، وأقل الجمع ثلاث ؛ فلا بد من دخول ذى الحجة بكماله. ثم اختلف الجمهور فى نهار يوم النحر هل هو من أشهر الحج أو لا : فقال الحنفية والحنابلة : هو من أشهر الحج. وقال الشافعية : آخر أشهر الحج ليلة يوم النحر. وهو مروى عن أبى يوسف. وفى وجه عند الشافعية فى ليلة النحر : أنها ليست من أشهر الحج. والأول هو الصحيح المشهور.
وقد استدل الحنفية والحنابلة بحديث ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فى الحجة التى حج فقال : «أى يوم هذا؟» قالوا : يوم النحر. قال : «هذا يوم الحج الأكبر» أخرجه أبو داود وابن ماجه. قالوا : ولا يجوز أن يكون يوم الحج الأكبر ليس من أشهره. ويشهد له حديث بعث أبى بكر أبا هريرة يؤذن فى الناس يوم النحر : ألا يحج بعد العام مشرك ؛ فإنه امتثال لقوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ..). الآية والحديث متفق عليه. واحتجوا بالدليل المعقول ؛ لأن يوم النحر فيه ركن الحج ، وهو طواف الزيارة ، وفيه كثير من أفعال الحج ، منها : رمى جمرة العقبة ، والنحر ، والحلق ، والطواف ، والسعى ، والرجوع إلى منى. ومستبعد أن يوضع لأداء ركن عبادة وقت ليس وقتها ، ولا هو منه. واستدل الشافعية برواية نافع عن ابن عمر أنه قال : «أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة» أى عشر ليال. وعن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير مثله. رواها كلها البيهقى ، وصحح الرواية عن ابن عباس. ورواية ابن عمر صحيحة.
ينظر : غاية المنتهى (٢ / ٢٩٥ ، ٢٩٦) ، الهداية (٢ / ٢٢٠) ، رد المحتار (٢ / ٢٠٦ ، ٢٠٧) ، شرح المحلى على المنهاج (٢ / ٩١) ، نهاية المحتاج (٢ / ٣٨٧) ، المغنى (٣ / ٢٩٥).