وقوله : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ).
اختلف فيما به فرض الحج؟
قال بعضهم : إذا نوى الحج صار محرما ، لبى أو لم يلب.
وقال آخرون : إذا نوى أن يعمل بجميع ما أمر وأن ينتهى عن جميع ما نهى ، صار بذلك محرما.
وأما عندنا : فإن تأويل قوله : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) ، أى : لبى فيهن بالحج.
دليله ما روى عن ابن مسعود (١) ، وابن عباس (٢) ، وابن عمر (٣) ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، أنهم قالوا : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) ، أى : لبى. وأما بالنية مجردا فإنه لا يكون محرما.
وما روى أيضا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال لعائشة ، رضى الله تعالى عنها ، وقد رآها حزينة : «ما لك؟ فقالت : أنا قضيت عمرتى ، وألفانى الحج عاركا. فقال : ذلك شىء كتبه الله تعالى على بنات آدم ، فحجى وقولى ما يقول المسلمون فى حجهم» (٤).
فبين قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعائشة ، رضى الله تعالى عنها ، [رد حجى وقولى ما يقول المسلمون فى حجهم أن التلبية واجبة إذ كان المسلمون يفعلونها وأمر عائشة رضى الله عنها](٥) باتباعهم فيها.
وعن عائشة ، رضى الله تعالى عنها ، أنها قالت : «لا يحرم إلا من أهل أو لبى».
فدلت هذه الأحاديث النبوية على أن التلبية فرض الحج ، وعن هؤلاء الأئمة وأمثالهم الذين نأخذ منهم الدين فلا تجوز مخالفتهم ولا العدول عن سبيلهم (٦).
__________________
(١) أخرجه ابن أبى شيبة كما فى الدر المنثور (١ / ٣٩٤).
(٢) أخرجه ابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور (١ / ٣٩٤).
(٣) أخرجه ابن جرير (٣٥٥٧ ، ٣٥٦١) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٤).
(٤) أخرجه البخارى (١ / ٥٣٢) كتاب الحيض ، باب الأمر بالنفساء إذا نفسن (٢٩٤) ، ومسلم (٢ / ٨٧٣) ، كتاب الحج ، باب بيان وجوه الإحرام (١١٩ / ١٢١١) بنحوه.
(٥) سقط فى ط.
(٦) التلبية شرط فى الإحرام عند أبى حنيفة ومحمد وابن حبيب من المالكية ؛ فلا يصح الإحرام بمجرد النية ، حتى يقرنها بالتلبية أو ما يقوم مقامها مما يدل على التعظيم من ذكر ودعاء أو سوق الهدى.
فإذا نوى النسك الذى يريده من حج أو عمرة أو هما معا ولبى فقد أحرم ، ولزمه كل أحكام الإحرام ، وأن يمضى فى أداء ما أحرم به. والمعتمد عندهم أنه يصير محرما بالنية لكن عند التلبية ، كما يصير شارعا فى الصلاة بالنية ، لكن بشرط التكبير ، لا بالتكبير. وقد نقل هذا المذهب عن عبد الله بن مسعود ، وابن عمر ، وعائشة ، وإبراهيم النخعى ، وطاوس ومجاهد ، وعطاء بل ادعى فيه اتفاق السلف. وذهب غيرهم إلى أن التلبية لا تشترط فى الإحرام ، فإذا نوى فقد أحرم بمجرد النية ، ـ