قال الشيخ ـ رضى الله تعالى عنه ـ : الهدى على وجهين :
هدى : عرف ، ليوحدوه.
وهدى : وفق ، لطاعتهم.
وقوله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
قيل (١) : إن أهل الحرم كانوا لا يقفون بعرفات ، ويقولون : [إنما] نحن أهل حرم الله ، لا نفيض كغيرنا ، ممن قصدنا ، فأنزل الله فيهم : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ، أمرهم بالوقوف بعرفات ، والإفاضة منها من حيث أفاض غيرهم من الناس.
وذكر عن عائشة ، رضى الله تعالى عنها ، أنها قالت : كانت قريش ، ومن كان على دينها يقفون بالمزدلفة ولا يقفون بعرفة ، [وكان من سواهم يقفون بعرفة]. فأنزل الله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ)(٢).
وفيه دليل أن الوقوف بعرفة فرض (٣) ، وعلى ذلك جاءت الآثار ؛ روى عن رسول الله
__________________
(١) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٨٤٠) ، وعن السدى (٣٨٤١) ، والربيع (٣٨٤٢) ، وغيرهم ، ينظر : الدر المنثور (١ / ٤٠٩).
(٢) أخرجه البخارى (٤٥٢٠) ، ومسلم (١٥١ / ١٢١٩) ، وأبو داود (١٩١٠) ، والترمذى (٨٨٤) ، والنسائى (٥ / ٢٥٤) ، والطبرى (٣٨٣٤).
(٣) المراد من الوقوف بعرفة : وجود الحاج فى أرض (عرفة) ، بالشروط والأحكام المقررة. والوقوف بعرفة ركن أساسى من أركان الحج ، يختص بأنه من فاته فقد فاته الحج. وقد ثبتت ركنية الوقوف بعرفة بالأدلة القاطعة من الكتاب والسنة والإجماع : أما القرآن فقوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ). فقد ثبت أنها نزلت تأمر بالوقوف بعرفة. وأما السنة : فعدة أحاديث ، أشهرها حديث : «الحج عرفة». وأما الإجماع : فقد صرح به عدد من العلماء ، وقال ابن رشد : أجمعوا على أنه ركن من أركان الحج ، وأنه من فاته فعليه حج قابل.
ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من زوال الشمس يوم عرفة ـ وهو تاسع ذى الحجة ـ ويمتد إلى طلوع الفجر الصادق يوم عيد النحر حتى لو وقف بعرفة فى غير هذا الوقت كان وقوفه باطلا اتفاقا فى الجملة. وقد أجمعوا على أن آخر وقت وقوف عرفة هو طلوع الفجر يوم النحر. أما ابتداء وقت الوقوف بعرفة فقد وقع فيه اختلاف : فذهب الحنفية والشافعية إلى أن أوله زوال شمس يوم عرفة. وذهب مالك : إلى أن وقت الوقوف هو الليل ، فمن لم يقف جزءا من الليل لم يجزئ وقوفه وعليه الحج من قابل ، وأما الوقوف نهارا فواجب ينجبر بالدم بتركه عمدا بغير عذر. وعند الحنابلة : وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر.
وقد قسم الحنفية والحنابلة زمان الوقوف إلى قسمين :
ـ زمان الركن الذى تتأدى به فريضة الوقوف بعرفة : وهو أن يوجد فى عرفة خلال المدة التى عرفناها عند كلّ ، ولو زمانا قليلا جدا.
ـ زمان الواجب : وهو أن يستمر من وقف بعد الزوال إلى أن تغرب الشمس ، فلا يجاوز حد عرفة إلا بعد الغروب ، ولو بلحظة. وهو المقصود بقولهم : أن يجمع بين الليل والنهار بعرفة. فلو فارق عرفة قبل الغروب وجب عليه دم عند الجمهور ، أما إذا لم يقف بعرفة إلا بعد المغرب فلا شىء ـ