واللبس : الخلط ، يقال : لبست عليه الأمر ألبسه لبسا : أي خلطته ، وأصله التستر بالثوب ونحوه ، ثم قال سبحانه مؤنسا لنبيه صلىاللهعليهوسلم ومسليا له : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) يقال : حاق الشيء يحيق حيقا وحيوقا وحيقانا. نزل ؛ أي فنزل ما كانوا به يستهزءون ، وأحاط بهم : وهو الحق حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين سافروا في الأرض وانظروا آثار من كان قبلكم لتعرفوا ما حلّ بهم من العقوبات ، وكيف كانت عاقبتهم بعد ما كانوا فيه من النّعيم العظيم الذي يفوق ما أنتم فيه ، فهذه ديارهم خاربة وجناتهم مغبرة وأراضيهم مكفهرّة ، فإذا كانت عاقبتهم هذه العاقبة فأنتم بهم لاحقون وبعد هلاكهم هالكون.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) يقول : ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلا أعرضوا عنه ، وفي قوله (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) يقول : سيأتيهم يوم القيامة أنباء ما استهزءوا به من كتاب الله عزوجل. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله : (مِنْ قَرْنٍ) قال : أمة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) يقول : أعطيناهم ما لم نعطكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) يقول : يتبع بعضها بعضا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن هارون التيمي في الآية قال : المطر في إبانه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) يقول : لو أنزلنا من السماء صحفا فيها كتاب (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) لزادهم ذلك تكذيبا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) قال : فمسوه ونظروا إليه لم يصدقوا به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال : دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قومه إلى الإسلام وكلّمهم فأبلغ إليهم فيما بلغني ، فقال له زمعة بن الأسود بن المطلب والنّضر بن الحارث بن كلدة وعبدة بن عبد يغوث وأبيّ ابن خلف بن وهب والعاص بن وائل بن هشام : لو جعل معك يا محمد ملك يحدّث عنك الناس ويرى معك ، فأنزل الله (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) قال : ملك في صورة رجل (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) لقامت الساعة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) يقول : لو أنزل الله ملكا ثم لم يؤمنوا لعجل لهم العذاب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً) قال : ولو أتاهم ملك في صورته (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) لأهلكناهم (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) لا يؤخرون (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) يقول : لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل ، لأنهم لا يستطيعون النّظر إلى الملائكة (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) يقول : لخلطنا عليهم ما يخلطون. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد