أي أن يسجنوه ، وقيل : إن جملة (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) مسوقة للترهيب بعد الترغيب ، وللوعيد بعد الوعد ؛ أي إن أمهلكم برحمته فهو مجازيكم بجمعكم ثم معاقبة من يستحق عقوبته من العصاة ، والضمير في (لا رَيْبَ فِيهِ) لليوم أو للجمع. قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). قال الزجاج : إنّ الموصول مرتفع على الابتداء ، وما بعده خبره كما تقول : الذي يكرمني فله درهم ، فالفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط. وقال الأخفش : إن شئت كان (الَّذِينَ) في موضع نصب على البدل من الكاف والميم في (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) أي ليجمعنّ المشركين الذين خسروا أنفسهم ، وأنكره المبرد وزعم أنه خطأ ، لأنه لا يبدل من المخاطب ولا من المخاطب. لا يقال مررت بك زيد ولا مررت بي زيد ؛ وقيل : يجوز أن يكون (الَّذِينَ) مجرورا على البدل من المكذبين الذين تقدّم ذكرهم أو على النعت لهم ؛ وقيل : إنه منادى وحرف النداء مقدّر. قوله : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي لله ، وخصّ السّاكن بالذكر ، لأنّ ما يتّصف بالسّكون أكثر مما يتّصف بالحركة ؛ وقيل المعنى : ما سكن فيهما أو تحرّك فاكتفى بأحد الضدّين عن الآخر ، وهذا من جملة الاحتجاج على الكفرة. قوله : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) الاستفهام للإنكار ، قال لهم ذلك لما دعوه إلى عبادة الأصنام ، ولما كان الإنكار لاتّخاذ غير الله وليا ، لا لاتّخاذ الولي مطلقا ، دخلت الهمزة على المفعول لا على الفعل. والمراد بالوليّ هنا : المعبود : أي كيف أتّخذ غير الله معبودا؟ و (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مجرور على أنه نعت لاسم الله ، وأجاز الأخفش الرفع على إضمار مبتدأ ، وأجاز الزجاج النصب على المدح ، وأجاز أبو علي الفارسي نصبه بفعل مضمر كأنه قيل : أترك فاطر السموات والأرض. قوله : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) قرأ الجمهور بضم الياء وكسر العين في الأوّل ، وضمها وفتح العين في الثاني : أي يرزق ولا يرزق ، وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد والأعمش بفتح الياء في الثاني وفتح العين ، وقرئ بفتح الياء والعين في الأوّل وضمها وكسر العين في الثاني على أن الضمير يعود إلى الوليّ المذكور ، وخص الإطعام دون غيره من ضروب الإنعام لأن الحاجة إليه أمسّ. قوله : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أمره سبحانه بعد ما تقدّم من اتّخاذ غير الله وليا أن يقول لهم : إنه مأمور بأن يكون أوّل من أسلم وجهه لله من قومه ، وأخلص من أمته ، وقيل : معنى (أَسْلَمَ) استسلم لأمر الله ، ثم نهاه الله عزوجل أن يكون من المشركين. والمعنى : أمرت بأن أكون أوّل من أسلم ونهيت عن الشرك ؛ أي يقول لهم هذا ، ثم أمره أن يقول : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي إن عصيته بعبادة غيره أو مخالفة أمره أو نهيه. والخوف : توقع المكروه ، وقيل : هو هنا بمعنى العلم ، أي إني أعلم إن عصيت ربي أن لي عذابا عظيما. قوله : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ) وقرأ أهل المدينة وأهل مكة وابن عامر على البناء للمفعول : أي من يصرف عنه العذاب ، واختار هذه القراءة سيبويه. وقرأ الكوفيون على البناء للفاعل وهو اختيار أبي حاتم ، فيكون الضمير على هذه القراءة لله. ومعنى (يَوْمَئِذٍ) يوم العذاب العظيم (فَقَدْ رَحِمَهُ) الله أي نجاه وأنعم عليه وأدخله الجنة ، والإشارة بذلك إلى الصرف أو إلى الرحمة ؛ أي فذلك الصرف أو الرحمة (الْفَوْزُ الْمُبِينُ) أي الظاهر الواضح ، وقرأ أبيّ : «من يصرف الله عنه». قوله : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) أي إن ينزل الله بك ضرا من فقر أو مرض (فَلا