(وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) قال الأخفش : يقال : وزر يوزر ، ووزر يزر وزرا ، ويجوز إزرا ، وفيه ردّ لما كانت عليه الجاهلية من مؤاخذة القريب بذنب قريبه ، والواحد من القبيلة بذنب الآخر وقد قيل : إن المراد بهذه الآية في الآخرة وكذلك التي قبلها لقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (١) ، ومثله قول زينب بنت جحش : «يا رسول الله! أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال : نعم إذا كثر الخبث». والأولى : حمل الآية على ظاهرها ، أعني : العموم وما ورد من المؤاخذة بذنب الغير كالدية التي تحملها العاقلة ونحو ذلك ، فيكون في حكم المخصص بهذا العموم ويقرّ في موضعه ولا يعارض هذه الآية قوله تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) (٢) فإنّ المراد بالأثقال التي مع أثقالهم هي أثقال الذين يضلونهم كما في الآية الأخرى (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٣). (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) يوم القيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) في الدنيا ، وعند ذلك يظهر حق المحقين وباطل المبطلين. قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) خلائف : جمع خليفة ، أي : جعلكم خلفاء الأمم الماضية والقرون السالفة ، قال الشّمّاخ :
تصيبهم وتخطئني المنايا |
|
وأخلف في ربوع عن ربوع |
أو المراد أنه يخلف بعضهم بعضا ، أو أن هذا النوع الإنساني خلفاء الله في أرضه (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) في الخلق ، والرزق ، والقوة ، والفضل ، والعلم ، ودرجات : منصوب بنزع الخافض ، أي : إلى درجات (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) أي ليختبركم فيما آتاكم من تلك الأمور ، أو ليبتلي بعضكم ببعض كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) (٤) ثمّ خوّفهم فقال : (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) فإنه وإن كان في الآخرة فكل آت قريب كما قال : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (٥) ثم رغب من يستحق الترغيب من المسلمين فقال : (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : كثير الغفران والرحمة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ) قال : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السديّ في قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ) قال : أهلك القرون الأولى فاستخلفنا فيها بعدهم (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) قال : في الرّزق.
* * *
__________________
(١). الأنفال : ٢٥.
(٢). العنكبوت : ١٣.
(٣). النحل : ٢٥.
(٤). الفرقان : ٢٠.
(٥). النحل : ٧٧.