كونهم في تلك الحال على الإيمان فكأنه قال : إن كنتم مستمرّين على الإيمان بالله ، لأنّ هذه الثلاثة الأمور التي هي تقوى الله ، وإصلاح ذات البين ، وطاعة الله والرسول ، لا يكمل الإيمان بدونها ، بل لا يثبت أصلا لمن لم يمتثلها ، فإن من ليس بمتق وليس بمطيع لله ورسوله ليس بمؤمن.
وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن أبي أمامة قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال : فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النّفل ، وساءت فيه أخلاقنا. فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فقسمه رسول الله بين المسلمين عن بواء ، يقول : عن سواء. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان ، والحاكم وصحّحه ، وأبو الشيخ وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن عبادة بن الصامت قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فشهدت معه بدرا ، فالتقى الناس فهزم الله العدوّ ، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون ، وأكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يصيب العدوّ منه غرّة ، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم : نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب ، وقال الذين خرجوا في طلب العدوّ : لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنه العدوّ وهزمناهم ، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم : لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله صلىاللهعليهوسلم وخفنا أن يصيب العدوّ منه غرّة فاشتغلنا به ، فنزلت (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) قسمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين المسلمين ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أغار في أرض العدوّ نفل الربع ، وإذا أقبل راجعا وكلّ الناس نفل الثلث ، وكان يكره الأنفال ويقول : ليرد قويّ المسلمين على ضعيفهم. وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده ، وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم سرية فنصرها الله وفتح عليها ، فكان من آتاه بشيء نفله من الخمس ، فرجع رجال كانوا يستقدمون ويقتلون ويأسرون وتركوا الغنائم خلفهم ، فلم ينالوا من الغنائم شيئا ، فقالوا : يا رسول الله! ما بال رجال منا يستقدمون ويأسرون ، وتخلف رجال لم يصلوا بالقتال فنفلتهم بالغنيمة؟ فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونزل (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) الآية ، فدعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «ردّوا ما أخذتم ، واقتسموا بالعدل والسوية ؛ فإنّ الله يأمركم بذلك ، فقالوا : قد أنفقنا وأكلنا ، فقال : احتسبوا ذلك». وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن سعد بن أبي وقاص قال قلت : يا رسول الله! قد شفاني الله اليوم من المشركين ، فهب لي هذا السيف ، فقال : «إنّ هذا السيف لا لك ولا لي ، ضعه ، فوضعته ، ثم رجعت قلت : عسى يعطي هذا السيف اليوم من لا يبلى بلائي إذا رجل يدعوني من ورائي ، قلت : قد أنزل الله فيّ شيئا؟ قال : كنت سألتني هذا السيف وليس هو لي ، وإنه قد وهب لي فهو لك» وأنزل الله هذه الآية (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) وفي لفظ لأحمد أن سعدا قال : لما قتل أخي يوم بدر وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكنيفة فأتيت به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم ذكر نحو ما تقدّم وقد روي هذا الحديث