قوله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) قال الزجّاج : الكاف في موضع نصب ؛ أي : الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ؛ أي : مثل إخراج ربك ، والمعنى : امض لأمرك في الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا ، لأنّ بعض الصحابة قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حين جعل لكل من أتى بأسير شيئا قال : بقي أكثر الناس بغير شيء ، فموضع الكاف نصب كما ذكرنا ، وبه قال الفراء وقال أبو عبيدة : هو قسم ، أي : والذي أخرجك ، فالكاف : بمعنى الواو ، وما : بمعنى الذي. وقال الأخفش سعيد بن مسعدة : المعنى أولئك هم المؤمنون حقا كما أخرجك ربك. وقال عكرمة : المعنى : أطيعوا الله ورسوله كما أخرجك ربك ؛ وقيل : كما أخرجك متعلق بقوله : (لَهُمْ دَرَجاتٌ) أي : هذا الوعد للمؤمنين حق في الآخرة (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) الواجب له ، فأنجز وعدك وظفرك بعدوّك وأوفى لك ، ذكره النحاس واختاره ، وقيل : الكاف في «كما» كاف التشبيه على سبيل المجازاة كقول القائل لعبده : كما وجهتك إلى أعدائي فاستضعفوك ، وسألت مددا فأمددتك ، وقوّيتك ، وأزحت علتك ، فخذهم الآن ، فعاقبهم ؛ وقيل : إن الكاف في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذه الحال كحال إخراجك ، يعني : أن حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة ، مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب ، ذكره صاحب الكشاف ، وبالحق متعلق بمحذوف ، والتقدير : إخراجا متلبسا بالحق الذي لا شبهة فيه ، وجملة (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) في محل نصب على الحال ، أي : كما أخرجك في حال كراهتهم لذلك ، لأنه لما وعدهم الله إحدى الطائفتين : إما العير أو النفير ، رغبوا في العير لما فيها من الغنيمة ، والسلامة من القتال ، كما سيأتي بيانه ، وجملة (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) وما : في محل نصب على أنها حال بعد حال ، أو مستأنفة ، جواب سؤال مقدّر ، ومجادلتهم لما ندبهم إلى إحدى الطائفتين ، وفات العير ، وأمرهم بقتال النفير ، ولم يكن معهم كثير أهبة ، لذلك شق عليهم ، وقالوا : لو أخبرتنا بالقتال لأخذنا العدة وأكملنا الأهبة ، ومعنى : (فِي الْحَقِ) أي : في القتال بعد ما تبين لهم أنك لا تأمر بالشيء إلا بإذن الله ، أو بعد ما تبين لهم أن الله وعدهم بالظفر بإحدى الطائفتين ، وأن العير إذا فاتت ظفروا بالنفير ، و (بَعْدَ) ظرف ليجادلونك ، وما مصدرية ، أي : يجادلونك بعد ما تبين الحق لهم. قوله : (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) الكاف : في محل نصب على الحال من الضمير في (لَكارِهُونَ) أي : حال كونهم في شدة فزعهم من القتال يشبهون حال من يساق ليقتل ، وهو مشاهد لأسباب قتله ، ناظر إليها ، لا يشك فيها. قوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) الظرف : منصوب بفعل مقدّر ، أي : واذكروا وقت وعد الله إياكم إحدى الطائفتين ، وأمرهم بذكر الوقت مع أن المقصود ذكر ما فيه من الحوادث ، لقصد المبالغة ، والطائفتان : هما العير والنّفير ، وإحدى : هو ثاني مفعولي يعد ، و (أَنَّها لَكُمْ) بدل منه ، بدل اشتمال ، ومعناه : أنها مسخّرة لكم ، وأنكم تغلبونها ، وتغنمون منها ، وتصنعون بها ما شئتم من قتل وأسر وغنيمة ، لا يطيقون لكم دفعا ، ولا يملكون لأنفسهم منكم ضرا ولا نفعا ، وفي هذه الجملة تذكير لهم بنعمة من النعم التي أنعم الله عليهم. قوله : (وَتَوَدُّونَ) معطوف على (يَعِدُكُمُ) من جملة الحوادث التي أمروا بذكر وقتها (أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ) من الطائفتين ،