وهي طائفة العير (تَكُونُ لَكُمْ) دون ذات الشوكة ، وهي طائفة النفير. قال أبو عبيدة : أي غير ذات الحدّ. والشوكة : السلاح ، والشوكة : النبت الذي له حدّ ، ومنه : رجل شائك السلاح ، أي : حديد السلاح ثم يقلب فيقال شاكي السلاح ؛ فالشوكة مستعارة من واحدة الشوك ، والمعنى : وتودّون أن تظفروا بالطائفة التي ليس معها سلاح ، وهي طائفة العير لأنها غنيمة صافية عن كدر القتال إذ لم يكن معها من يقوم بالدفع عنها. قوله : (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) معطوف على (تَوَدُّونَ) وهو من جملة ما أمروا بذكر وقته ، أي : ويريد الله غير ما تريدون ، وهو أن يحقّ الحقّ بإظهاره لما قضاه من ظفركم بذات الشوكة. وقتلكم لصناديدهم ، وأسر كثير منهم ، واغتنام ما غنمتم من أموالهم التي أجلبوا بها عليكم وراموا دفعكم بها ، والمراد بالكلمات : الآيات التي أنزلها في محاربة ذات الشوكة ، ووعدكم منه بالظفر بها (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) الدابر : الآخر ، وقطعه عبارة عن الاستئصال. والمعنى : ويستأصلهم جميعا. قوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) هذه الجملة علة لما يريده الله ، أي : أراد ذلك ، أو يريد ذلك ليظهر الحق ويرفعه (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) ويضعه ، أو اللام متعلقة بمحذوف ، أي : فعل ذلك ليحق الحق ، وقيل : متعلق بيقطع ، وليس في هذه الجملة تكرير لما قبلها لأن الأولى لبيان التفاوت فيما بين الإرادتين ، وهذه لبيان الحكمة الداعية إلى ذلك ، والعلة المقتضية له ، والمصلحة المترتبة عليه ، وإحقاق الحق : إظهاره ، وإبطال الباطل : إعدامه (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) (١) ومفعول (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) محذوف ، أي : ولو كرهوا أن يحقّ الحق ويبطل الباطل ، والمجرمون : هم المشركون من قريش ، أو جميع طوائف الكفار. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : «قال لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونحن بالمدينة ، وبلغه أنّ عير أبي سفيان قد أقبلت فقال : ما ترون فيها لعلّ الله يغنمناها ويسلمنا ، فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن نتعادّ ، ففعلنا فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر ، فأخبرنا النبي صلىاللهعليهوسلم بعدّتنا ، فسرّ بذلك وحمد الله وقال : عدّة أصحاب طالوت ، فقال : ما ترون في قتال القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم؟ فقلنا : يا رسول الله! لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم ، إنما خرجنا للعير ، ثم قال : ما ترون في قتال القوم؟ فقلنا مثل ذلك ، فقال المقداد : لا تقولوا كما قال قوم موسى لموسى (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٢) فأنزل الله (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) إلى قوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين ، إما القوم وإما العير ، طابت أنفسنا ، ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اللهم إني أنشدك وعدك ، فقال ابن رواحة : يا رسول الله! إنّي أريد أن أشير عليك ـ ورسول الله صلىاللهعليهوسلم أفضل من أن يشير عليه ـ إنّ الله أجلّ وأعظم من أن تنشده وعده. فقال : يا بن رواحة! لأنشدنّ الله وعده ، فإنّ الله لا يخلف الميعاد ، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم في وجوه القوم فانهزموا ، فأنزل الله (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٣) فقتلنا وأسرنا ، فقال عمر : يا رسول الله! ما أرى أن يكون لك أسرى فإنما نحن داعون مؤلفون ، فقلنا : يا معشر الأنصار إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا ، فنام
__________________
(١). الأنبياء : ١٨.
(٢). المائدة : ٢٤.
(٣). الأنفال : ١٧.