مدّ يديه فجعل يهتف بربّه : «اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آتني ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» الحديث. (فَاسْتَجابَ لَكُمْ) عطف على تستغيثون داخل معه في التذكير ، وهو وإن كان مستقبلا فهو بمعنى الماضي ، ولهذا عطف عليه : استجاب. قوله : (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) أي : بأني ممدكم ، فحذف حرف الجرّ وأوصل الفعل إلى المفعول ، وقرئ بكسر الهمزة على إرادة القول ، أو على أن في ، استجاب : معنى القول. قوله : (مُرْدِفِينَ) قرأ نافع بفتح الدال اسم مفعول ، وقرأ الباقون بكسرها اسم فاعل ، وانتصابه على الحال ، والمعنى على القراءة الأولى : أنه جعل بعضهم تابعا لبعض ، وعلى القراءة الثانية : أنهم جعلوا بعضهم تابعا لبعض ؛ وقيل : إن مردفين على القراءتين ، نعت لألف ، وقيل : إنه على القراءة الأولى حال من الضمير المنصوب في ممدكم ، أي : ممدكم في حال إردافكم بألف من الملائكة ، وقد قيل : إن ردف وأردف بمعنى واحد ، وأنكره أبو عبيدة قال لقوله تعالى : (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) (١) ولم يقل المردفة ، قال سيبويه : وفي الآية قراءة ثالثة وهي «مردّفين» بضم الراء وكسر الدال مشدّدة. وقراءة رابعة بفتح الراء وتشديد الدال. وقرأ جعفر بن محمد وعاصم الجحدري «بآلاف» جمع ألف ، وهو الموافق لما تقدّم في آل عمران ، والضمير في (وَما جَعَلَهُ اللهُ) راجع إلى الإمداد المدلول عليه بقوله : (أَنِّي مُمِدُّكُمْ) ، (إِلَّا بُشْرى) أي : إلا بشارة لكم بنصره ، وهو استثناء مفرّغ ، أي : ما جعل إمدادكم لشيء من الأشياء إلا للبشرى لكم بالنصر (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ) أي : بالإمداد (قُلُوبُكُمْ) ، وفي هذا إشعار بأن الملائكة لم يقاتلوا ، بل أمدّ الله المسلمين بهم للبشرى لهم وتطمين قلوبهم وتثبيتها ، واللام في لتطمئن : متعلقة بفعل محذوف يقدر متأخرا ، أي : ولتطمئن قلوبكم فعل ذلك لا لشيء آخر (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) لا من عند غيره ، ليس للملائكة في ذلك أثر ، فهو الناصر على الحقيقة ، وليسوا إلا سببا من أسباب النصر التي سببها الله لكم ، وأمدكم بها (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يغالب (حَكِيمٌ) في كلّ أفعاله.
وقد أخرج ابن جرير عن عليّ رضي الله عنه قال : نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلىاللهعليهوسلم وفيها أبو بكر ، ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأنا في الميسرة. وأخرج سنيد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال : ما أمدّ النبي صلىاللهعليهوسلم بأكثر من هذه الألف التي ذكر الله في الأنفال ، وما ذكر الثلاثة الآلاف والخمسة الآلاف إلا بشرى. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (مُرْدِفِينَ) قال : متتابعين. وأخرج ابن جرير عنه في قوله : (مُرْدِفِينَ) يقول : المدد. وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عنه أيضا في الآية قال : وراء كل ملك ملك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : كان ألف مردفين وثلاثة آلاف منزلين ، فكانوا أربعة آلاف ، وهم مدد المسلمين في ثغورهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (مُرْدِفِينَ) قال : مجدّين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : متتابعين أمدّهم الله بألف ثم بثلاثة ، ثم أكملهم خمسة آلاف (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى) لكم (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) قال : يعني نزول الملائكة. قال : وذكر لنا أن عمر قال : أما يوم بدر فلا نشكّ أن الملائكة
__________________
(١). النازعات : ٧.