فرقة أخرى : إن (إِنْ) متعلقة بقوله (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) قال ابن عطية : وهذا هو الصحيح لأن قوله (وَاعْلَمُوا) يتضمّن الأمر بالانقياد والتسليم لأمر الله في الغنائم ، فعلق إن بقوله (وَاعْلَمُوا) على هذا المعنى ، أي : إن كنتم مؤمنين بالله ، فانقادوا ، وسلموا لأمر الله فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة. وقال في الكشاف : إنه متعلق بمحذوف يدلّ عليه (وَاعْلَمُوا) بمعنى : إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنّ الخمس من الغنيمة يجب التقرب به ، فاقطعوا عنه أطماعكم ، واقتنعوا بالأخماس الأربعة ، وليس المراد بالعلم المجرد ، ولكن العلم المضمن بالعمل ، والطاعة لأمر الله ، لأن العلم المجرد يستوي فيه المؤمن والكافر ، انتهى. قوله (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا) معطوف على الاسم الجليل ؛ أي : إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلنا ، و (يَوْمَ الْفُرْقانِ) يوم بدر. لأنه فرق بين أهل الحق ، وأهل الباطل و (الْجَمْعانِ) الفريقان : من المسلمين والكافرين (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومن قدرته العظيمة نصر الفريق الأقلّ على الفريق الأكثر. قوله : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بكسر العين في العدوة ، في الموضعين ، وقرأ الباقون بالضم فيهما ، و (إِذْ) بدل من يوم الفرقان ، ويجوز أن يكون العامل محذوفا ، أي : واذكروا إذ أنتم. والعدوة : جانب الوادي ، والدنيا : تأنيث الأدنى. والقصوى : تأنيث الأقصى ، من : دنا يدنو ، وقصا يقصو ، ويقال : القصيا ، والأصل الواو ، وهي لغة أهل الحجاز ، والعدوة الدنيا كانت مما يلي المدينة ، والقصوى كانت مما يلي مكة. والمعنى : وقت نزولكم بالجانب الأدنى من الوادي إلى جهة المدينة ، وعدوّكم بالجانب الأقصى منه مما يلي مكة. وجملة (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) في محل نصب على الحال ، وانتصاب (أَسْفَلَ) على الظرف ، ومحله الرفع على الخبرية ، أي : والحال أنّ الركب في مكان أسفل من المكان الذي أنتم فيه ، وأجاز الأخفش والكسائي والفراء رفع أسفل على معنى أشدّ سفلا منكم ، والركب : جمع راكب ، ولا تقول العرب ركب إلا للجماعة الراكبي الإبل ، ولا يقال لمن كان على فرس وغيرها : ركب ، وكذا قال ابن فارس ، وحكاه ابن السكيت عن أكثر أهل اللغة. والمراد بالركب هاهنا : ركب أبي سفيان ، وهي : المراد بالعير ، فإنهم كانوا في موضع أسفل منهم ، ممّا يلي ساحل البحر. قيل : وفائدة ذكر هذه الحالة التي كانوا عليها ، من كونهم بالعدوة الدنيا ، وعدوّهم بالعدوة القصوى ، والركب أسفل منهم الدلالة على قوّة شأن العدوّ وشوكته ، وذلك لأن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضا لا بأس بها ، وأما العدوة الدنيا فكانت رخوة تسوخ فيها الأقدام ولا ماء بها ، وكانت العير وراء ظهر العدوّ مع كثرة عددهم ، فامتنّ الله على المسلمين بنصرتهم عليهم ، والحال هذه. قوله (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) أي : لو تواعدتم أنتم والمشركون من أهل مكة على أن تلتقوا في هذا الموضع للقتال ، لخالف بعضكم بعضا ، فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبطهم ما في قلوبهم من المهابة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَلكِنْ) جمع الله بينكم في هذا الموطن (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) أي : حقيقا بأن يفعل من نصر أوليائه ، وخذلان أعدائه ، وإعزاز دينه ، وإذلال الكفر ، فأخرج المسلمين لأخذ العير وغنيمتها عند أنفسهم ، وأخرج الكافرين للمدافعة عنها. ولم يكن في حساب الطائفتين أن يقع هذا الاتفاق على هذه الصفة ، واللام في