«شيّبتني هود وأخواتها وما فعل بالأمم قبل».
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨))
قوله : (الر) إن كان مسرودا على سبيل التعديد كما في سائر فواتح السور فلا محل له ، وإن كان اسما للسورة فهو في محل رفع على أنه مبتدأ خبره ما بعده ، أو خبر مبتدأ محذوف ، و (كِتابٌ) يكون على هذا الوجه خبرا لمبتدأ محذوف ، أي : هذا كتاب : وكذا على تقدير أن (الر) لا محل له ، ويجوز أن يكون (الر) في محل نصب بتقدير فعل يناسب المقام نحو : اذكر ، أو اقرأ ، فيكون كتاب على هذا الوجه خبر مبتدأ محذوف ، والإشارة في المبتدأ المقدّر إما إلى بعض القرآن أو إلى مجموع القرآن ، ومعنى : (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) صارت محكمة متقنة لا نقص فيها ولا نقض لها كالبناء المحكم ، وقيل معناه : إنها لم تنسخ بخلاف التوراة والإنجيل ، وعلى هذا فيكون هذا الوصف للكتاب باعتبار الغالب ، وهو المحكم الذي لم ينسخ ؛ وقيل معناه : أحكمت آياته بالأمر والنهي ، ثم فصلت بالوعد والوعيد والثواب والعقاب ؛ وقيل : أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بالحلال والحرام ؛ وقيل : أحكمت جملته ، ثم فصلت آياته ؛ وقيل : جمعت في اللوح المحفوظ ثم فصلت بالوحي ؛ وقيل : أيدت بالحجج القاطعة الدالة على كونها من عند الله ؛ وقيل : معنى إحكامها : أن لا فساد فيها ، أخذا من قولهم أحكمت الدابة : إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح ، و (ثُمَّ فُصِّلَتْ) معطوف على أحكمت ، ومعناه ما تقدّم ، والتراخي المستفاد من ثم إما زماني إن فسر التفصيل بالتنجيم على حسب المصالح ، وإما رتبيّ إن فسر بغيره مما تقدّم ، والجمل في محل رفع على أنها صفة لكتاب ، أو خبر للمبتدأ ، أو خبر لمبتدأ محذوف ، وفي قوله : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) لف ونشر ، لأن المعنى : أحكمها حكيم وفصلها خبر عالم بمواقع الأمور. قوله : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) مفعول له حذف منه اللام ، كذا : في الكشاف ، وفيه : أنه ليس بفعل لفاعل الفعل المعلل ، وقيل : أن ، هي المفسرة لما في التّفصيل من معنى القول ؛ وقيل : هو كلام مبتدأ منقطع عما قبله ، محكيا على لسان النبي صلىاللهعليهوسلم. قال الكسائي والفرّاء : التقدير أحكمت بأن