لا تعبدوا إلا الله. وقال الزجّاج : أحكمت ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله ، ثم أخبرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأنه نذير وبشير فقال : (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) أي : ينذرهم ويخوفهم من عذابه لمن عصاه ، ويبشرهم بالجنة والرضوان لمن أطاعه ، والضمير في : منه ، راجع إلى الله سبحانه ، أي : إنني لكم نذير وبشير من جهة الله سبحانه ؛ وقيل : هو من كلام الله سبحانه كقوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ). قوله : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) معطوف على ألا تعبدوا ، والكلام في : أن ، هذه كالكلام في التي قبلها. وقوله : (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) معطوف على استغفروا ، وقدم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة : لكونه وسيلة إليها ؛ وقيل : إن التوبة من متممات الاستغفار ؛ وقيل : معنى استغفروا : توبوا ، ومعنى توبوا : أخلصوا التوبة واستقيموا عليها ؛ وقيل : استغفروا من سالف الذنوب ثم توبوا من لاحقها ؛ وقيل : استغفروا من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة. قال الفراء : ثم : هاهنا بمعنى الواو ، أي : وتوبوا إليه ، لأن الاستغفار هو التوبة ، والتوبة هي الاستغفار ؛ وقيل : إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب ، والتوبة هي السبب إليها ، وما كان آخرا في الحصول كان أوّلا في الطلب ؛ وقيل : استغفروا في الصغائر وتوبوا إليه في الكبائر ؛ ثم رتب على ما تقدّم أمرين الأول : (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) أصل الإمتاع : الإطالة ، ومنه أمتع الله بك ؛ فمعنى الآية : بطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية من سعة الرزق ورغد العيش (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت مقدّر عند الله وهو الموت ؛ وقيل : القيامة ؛ وقيل : دخول الجنة ؛ والأوّل أولى. والأمر الثاني : قوله : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي : يعط كل ذي فضل في الطاعة والعمل فضله : أي : جزاء فضله ، إما في الدنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما جميعا ، والضمير في فضله راجع إلى كل ذي فضل ؛ وقيل : راجع إلى الله سبحانه على معنى : أن الله يعطي كل من فضلت حسناته فضله الذي يتفضل به على عباده. ثم توعدهم على مخالفة الأمر فقال : (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي : تتولوا وتعرضوا عن الإخلاص في العبادة والاستغفار والتوبة (فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) وهو يوم القيامة ، ووصفه بالكبر لما فيه من الأهوال ؛ وقيل : اليوم الكبير : يوم بدر. ثم بين سبحانه عذاب اليوم الكبير بقوله : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) أي : رجوعكم إليه بالموت ، ثم البعث ، ثم الجزاء ، لا إلى غيره (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومن جملة ذلك : عذابكم على عدم الامتثال ، وهذه الجملة مقرّرة لما قبلها. ثم أخبر الله سبحانه بأن هذا الإنذار ، والتحذير ، والتوعد لم ينجع فيهم ، ولا لانت له قلوبهم ، بل هم مصرّون على العناد ، مصممون على الكفر ، فقال مصدرا لهذا الإخبار بكلمة التنبيه الدالة على التعجب من حالهم ، وأنه أمر ينبغي أن يتنبه له العقلاء ويفهموه : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) يقال : ثنى صدره عن الشيء : إذا ازورّ عنه وانحرف منه ، فيكون في الكلام كناية عن الإعراض ؛ لأنّ من أعرض عن الشيء ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه ؛ وقيل معناه : يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق ، فيكون في الكلام كناية عن الإخفاء لما يعتقدونه من الكفر كما كان دأب المنافقين. والوجه الثاني أولى ، ويؤيده قوله : (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) أي : ليستخفوا من الله فلا يطلع عليه رسوله والمؤمنين ، أو : ليستخفوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ ثم كرّر كلمة التنبيه مبينا للوقت الذي يثنون فيه صدورهم فقال : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ)