اللام في (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ) هي الموطّئة للقسم ، والإنسان الجنس ، فيشمل المؤمن والكافر ، ويدلّ على ذلك الاستثناء بقوله : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) وقيل : المراد جنس الكفار ، ويؤيده أن اليأس والكفران والفرح والفخر هي أوصاف أهل الكفر لا أهل الإسلام في الغالب ؛ وقيل : المراد بالإنسان : الوليد بن المغيرة ، وقيل : عبد الله بن أمية المخزومي : والمراد بالرحمة هنا : النعمة من توفير الرزق والصحة والسلامة من المحن (ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) أن سلبناه إياها (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) أي : آيس من الرحمة ، شديد القنوط من عودها وأمثالها ، والكفور : عظيم الكفران ، وهو الجحود بها ، قاله ابن الأعرابي ؛ وفي إيراد صيغتي المبالغة في (لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) ما يدلّ على أن الإنسان كثير اليأس ، وكثير الجحد عند أن يسلبه الله بعض نعمه فلا يرجو عودها ، ولا يشكر ما قد سلف له منها. وفي التعبير بالذوق ما يدلّ على أنه يكون منه ذلك عند سلب أدنى نعمة ينعم الله بها عليه ، لأن الإذاقة والذوق أقلّ ما يوجد به الطعم ، والنعماء : إنعام يظهر أثره على صاحبه ، والضرّاء : ظهور أثر الإضرار على من أصيب به. والمعنى : أنه إن أذاق الله سبحانه العبد نعماءه من الصّحّة ، والسّلامة ، والغنى ، بعد أن كان في ضرّ من فقر أو مرض أو خوف ، لم يقابل ذلك بما يليق به من الشكر لله سبحانه ، بل يقول : ذهب السيئات ، أي : المصائب التي ساءته من الضرّ والفقر والخوف والمرض عنه ، وزال أثرها غير شاكر لله ، ولا مثن عليه بنعمه (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) أي : كثير الفرح بطرا وأشرا ، كثير الفخر على الناس والتطاول عليهم بما يتفضل الله به عليه من النعم ، وفي التعبير عن ملابسة الضرّ له : مناسبة للتعبير في جانب النعماء بالإذاقة ، فإن كلاهما لأدنى ما يطلق عليه اسم الملاقاة ، كما تقدّم (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) فإن عادتهم الصبر عند نزول المحن ، والشكر عند حصول المنن. قال الأخفش : هو استثناء ليس من الأوّل ، أي : ولكن الذين صبروا وعملوا الصالحات في حالتي النعمة والمحنة. وقال الفراء : هو استثناء من لئن أذقناه ، أي : من الإنسان ، فإن الإنسان بمعنى الناس ، والناس يشمل الكافر والمؤمن ، فهو استثناء متصل ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ) إلى الموصول ، باعتبار اتصافه بالصبر وعمل الصالحات (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ) يؤجرون به لأعمالهم الحسنة (كَبِيرٌ) متناه في الكبر. ثم سلا الله سبحانه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) أي : فلعلك لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب ، واقتراح الآيات التي يقترحونها على حسب هواهم وتعنّتهم تارك بعض ما يوحى إليك مما أنزله الله عليك وأمرك بتبليغه ، مما يشقّ عليهم سماعه أو يستشقون العمل به ، كسبّ آلهتهم ، وأمرهم بالإيمان بالله وحده. قيل : وهذا الكلام خارج مخرج الاستفهام ، أي : هل أنت تارك؟ وقيل : هو في معنى النفي مع الاستبعاد ؛ أي : لا يكون منك ذلك ، بل تبلغهم جميع ما أنزل الله عليك ، أحبوا ذلك أم كرهوه ، شاؤوا أم أبوا (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) معطوف على تارك ، والضّمير في : به ، راجع إلى : ما ، أو : إلى بعض ، وعبر بضائق دون ضيق : لأن اسم الفاعل فيه معنى الحدوث والعروض ، والصفة المشبهة فيها معنى اللزوم (أَنْ يَقُولُوا) أي : كراهة أن يقولوا ، أو مخافة أن يقولوا ، أو لئلا يقولوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) أي : هلّا أنزل عليه كنز ؛ أي : مال مكنوز مخزون ينتفع به (أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) يصدّقه ويبين لنا صحّة رسالته ؛ ثم بيّن سبحانه : أن حاله صلىاللهعليهوسلم مقصور