على النذارة ، فقال : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك ، وليس عليك حصول مطلوبهم ، وإيجاد مقترحاتهم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) يحفظ ما يقولون وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل. قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أم : هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة ، وأضرب عما تقدّم من تهاونهم بالوحي ، وعدم قنوعهم بما جاء به من المعجزات الظاهرة ، وشرع في ذكر ارتكابهم لما هو أشدّ من ذلك ، وهو افتراؤهم عليه بأنه افتراه ، والاستفهام للتوبيخ والتقريع ، والضمير المستتر في افتراه : للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والبارز : إلى ما يوحى. ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بما يقطعهم ، ويبين كذبهم ، ويظهر به عجزهم ، فقال : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) أي : مماثلة له في البلاغة ، وحسن النظم ، وجزالة اللفظ ، وفخامة المعاني ، ووصف السور بما يوصف به المفرد ، فقال : مثله ، ولم يقل : أمثاله ، لأن المراد مماثلة كل واحد من السور ، أو لقصد الإيماء إلى وجه الشبه ، ومداره المماثلة في شيء واحد ، وهو البلاغة البالغة إلى حدّ الإعجاز ، وهذا إنما هو على القول بأن المطابقة في الجمع والتثنية والإفراد شرط ، ثم وصف السور بصفة أخرى ، فقال : (مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا) للاستظهار على المعارضة بالعشر السور (مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) دعاءه وقدرتم على الاستعانة به من هذا النوع الإنساني ، وممن تعبدونه وتجعلونه شريكا لله سبحانه. وقوله : (مِنْ دُونِ اللهِ) متعلّق بادعوا ؛ أي : ادعوا من استطعتم متجاوزين الله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما تزعمون من افترائي له (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) أي : فإن لم يفعلوا ما طلبته منهم وتحدّيتهم به من الإتيان بعشر سور مثله ، ولا استجابوا إلى المعارضة المطلوبة منهم ، ويكون الضمير في لكم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين ، أو للنبي صلىاللهعليهوسلم وحده ، وجمع تعظيما وتفخيما (فَاعْلَمُوا) أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين ، أو للرسول وحده ، على التأويل الذي سلف قريبا. ومعنى أمرهم بالعلم : أمرهم بالثبات عليه ، لأنهم عالمون بذلك من قبل عجز الكفار عن الإتيان بعشر سور مثله ، أو المراد بالأمر بالعلم : الأمر بالازدياد منه إلى حدّ لا يشوبه شك ، ولا تخالطه شبهة ، وهو علم اليقين ، والأوّل أولى. ومعنى (أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) أنه أنزل متلبّسا بعلم الله المختص به ، الذي لا تطلع على كنهه العقول ، ولا تستوضح معناه الأفهام ، لما اشتمل عليه من الإعجاز الخارج عن طوق البشر (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : واعلموا أن الله هو المتفرد بالألوهية لا شريك له ، ولا يقدر غيره على ما يقدر عليه. ثم ختم الآية بقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي : ثابتون على الإسلام ، مخلصون له ، مزادون من الطاعات ، لأنه قد حصل لكم بعجز الكفار عن الإتيان بمثل عشر سور من هذا الكتاب طمأنينة فوق ما كنتم عليه وبصيرة زائدة ، وإن كنتم مسلمين من قبل هذا ، فإن الثبوت عليه وزيادة البصيرة فيه والطمأنينة به مطلوب منكم. وقيل : إن الضمير في (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا) للموصول في من استطعتم ، وضمير لكم : للكفار الذين تحدّاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك ضمير : فاعلموا ، والمعنى : فإن لم يستجب لكم من دعوتموهم للمعاضدة والمناصرة على الإتيان بعشر سور من سائر الكفار ومن يعبدونهم ، ويزعمون : أنهم يضرّون وينفعون ، فاعلموا أن هذا القرآن الذي أنزله الله على هذا الرسول خارج عن قدرة غيره سبحانه وتعالى ، لما اشتمل عليه من الإعجاز الذي تتقاصر دونه قوّة المخلوقين ، وأنه أنزل بعلم الله الذي لا تحيط به العقول ولا