وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله. أقول : وثبوت لفظ البلع وما يشتق منه في لغة العرب ظاهر مكشوف ، فما لنا وللحبشة والهند؟!.
(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩))
ومعنى : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ) دعاه ، والمراد : أراد دعاءه ، بدليل الفاء في : (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) وعطف الشيء على نفسه غير سائغ ، فلا بدّ من التقدير المذكور ، ومعنى قوله : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) أنه من الأهل الذين وعدتني بتنجيتهم بقولك : وأهلك. فإن قيل : كيف طلب نوح عليهالسلام إنجاز ما وعده الله بقوله : (وَأَهْلَكَ) وهو المستثنى منه ، وترك ما يفيده الاستثناء ، وهو (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ)؟ فيجاب : بأنه لم يعلم إذ ذاك أنه ممن سبق عليه القول ، فإنه كان يظنه من المؤمنين (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) الذي لا خلف فيه ، وهذا منه (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) أي : أتقن المتقنين لما يكون به الحكم ، فلا يتطرق إلى حكمك نقض ، وقيل : أراد بأحكم الحاكمين ، أعلمهم وأعدلهم ، أي : أنت أكثر علما وعدلا من ذوي الحكم ؛ وقيل : إن الحاكم بمعنى : ذي الحكمة كدارع ، ثم أجاب الله سبحانه عن نوح ببيان أن ابنه غير داخل في عموم الأهل ، وأنه خارج بقيد الاستثناء ف (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) الذين آمنوا بك وتابعوك ، وإن كان من أهلك باعتبار القرابة ؛ ثم صرح بالعلة الموجبة لخروجه من عموم الأهل المبينة له ، بأن المراد بالقرابة : قرابة الدين لا قرابة النسب وحده ، فقال : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) قرأ الجمهور : عمل ، على لفظ المصدر. وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ، والكسائي ، ويعقوب : عمل ، على لفظ الفعل ؛ ومعنى القراءة الأولى المبالغة في ذمه كأنه جعل نفس العمل ، وأصله ذو عمل غير صالح ثم حذف المضاف وجعل نفس العمل ، كذا قال الزجاج وغيره. ومعنى القراءة الثانية ظاهر ، أي : إنه عمل عملا غير صالح ، وهو كفره وتركه لمتابعة أبيه ، ثم نهاه عن مثل هذا السؤال ، فقال : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) لما بين له بطلان ما اعتقده من كونه من أهله فرّع على ذلك النهي عن السؤال ، وهو وإن كان نهيا عاما بحيث يشمل كل سؤال لا يعلم صاحبه أن حصول مطلوبه منه صواب ، فهو يدخل تحته سؤاله هذا دخولا أوّليا ، وفيه عدم جواز الدعاء بما لا يعلم الإنسان مطابقته للشرع ، وسمى دعاءه سؤالا لتضمنه معنى السؤال (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي : أحذّرك أن تكون من الجاهلين ، كقوله : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً) (١) وقيل : المعنى : أرفعك أن تكون من الجاهلين. قال ابن العربي : وهذه زيادة من الله
__________________
(١). النور : ١٧.