وكلّ ذي ناب خارج عن حدّ الأنعام ، فبهيمة الأنعام هي الراعي من ذوات الأربع ؛ وقيل : بهيمة الأنعام : ما لم تكن صيدا ؛ لأنّ الصّيد يسمّى وحشا لا بهيمة ؛ وقيل بهيمة الأنعام : الأجنّة التي تخرج عند الذبح من بطون الأنعام فهي تؤكل من دون ذكاة. وعلى القول الأوّل أعني تخصيص الأنعام بالإبل والبقر والغنم تكون الإضافة بيانية ، ويلحق بها ما يحلّ مما هو خارج عنها بالقياس ، بل وبالنصوص التي في الكتاب والسنة كقوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) (١) الآية ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «يحرم كلّ ذي ناب من السّبع ومخلب من الطير» فإنه يدل بمفهومه على أن ما عداه حلال ، وكذلك سائر النصوص الخاصة بنوع كما في كتب السنة المطهرة. قوله : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) استثناء من قوله : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) أي إلا مدلول ما يتلى عليكم فإنه ليس بحلال. والمتلوّ : هو ما نصّ الله على تحريمه ، نحو قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (٢) الآية ، ويلحق به ما صرّحت السّنّة بتحريمه ، وهذا الاستثناء يحتمل أن يكون المراد به إلا ما يتلى عليكم الآن ، ويحتمل أن يكون المراد به في مستقبل الزمان ، فيدل على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ويحتمل الأمرين جميعا. قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) ذهب البصريون إلى أن قوله : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) استثناء من بهيمة الأنعام وقوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) استثناء آخر منه أيضا ، فالاستثناءان جميعا من بهيمة الأنعام ، والتقدير : أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم إلا الصيد وأنتم محرمون ؛ وقيل : الاستثناء الأوّل من بهيمة الأنعام ، والاستثناء الثاني هو من الاستثناء الأوّل ، وردّ بأن هذا يستلزم إباحة الصيد في حال الإحرام ، لأنه مستثنى من المحظور فيكون مباحا ، وأجاز الفراء أن يكون (إِلَّا ما يُتْلى) في موضع رفع على البدل ، ولا يجيزه البصريون. إلا في النكرة وما قاربها من الأجناس. قال : وانتصاب (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) على الحال من قوله : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وكذا قال الأخفش ، وقال غيرهما : حال من الكاف والميم في (لَكُمْ) والتقدير : أحلّت لكم بهيمة الأنعام غير محلي الصيد : أي الاصطياد في البرّ وأكل صيده. ومعنى عدم إحلالهم له تقرير حرمته عملا واعتقادا ، وهم حرم : أي محرمون ، وجملة (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) في محل نصب على الحال من الضمير في (مُحِلِّي) ومعنى هذا التقييد ظاهر عند من يخصّ بهيمة الأنعام بالحيوانات الوحشية البرية التي يحلّ أكلها ؛ كأنه قال : أحلّ لكم صيد البرّ إلا في حال الإحرام ؛ وأما على قول من يجعل الإضافة بيانية فالمعنى : أحلّت لكم بهيمة هي الأنعام حال تحريم الصيد عليكم بدخولكم في الإحرام لكونكم محتاجين إلى ذلك ، فيكون المراد بهذا التقييد الامتنان عليهم بتحليل ما عدا ما هو محرّم عليهم في تلك الحال. والمراد بالحرم من هو محرم بالحجّ أو العمرة أو بهما ، وسمّي محرما لكونه يحرم عليه الصيد والطّيب والنّساء ، وهكذا وجه تسمية الحرم حرما ، والإحرام إحراما. وقرأ الحسن والنخعي ويحيى بن وثّاب «حرم» بسكون الراء ، وهي لغة تميمية ، يقولون في رسل : رسل ، وفي كتب كتب ، ونحو ذلك. قوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) من الأحكام المخالفة لما كانت العرب تعتاده ، فهو مالك الكلّ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقّب لحكمه. قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) الشعائر : جمع شعيرة على وزن فعيلة. قال ابن فارس : ويقال للواحدة شعارة ؛ وهو أحسن ، ومنه الإشعار
__________________
(١). الأنعام : ١٤٥.
(٢). المائدة : ٣.