من أفراد العباد أن يحصي ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه ، أو حاسّة من حواسّه لم يقدر على ذلك قط ولا أمكنه أصلا ، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه الله في بدنه ، فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كلّ وقت على تنوعها واختلاف أجناسها. اللهم إنا نشكرك على كلّ نعمة أنعمت بها علينا ممّا لا يعلمه إلا أنت ، ومما علمناه شكرا لا يحيط به حصر ولا يحصره عدّ ، وعدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كلّ زمان (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ) لنفسه بإغفاله لشكر نعم الله عليه ، وظاهره شمول كلّ إنسان. وقال الزجاج : إن الإنسان اسم جنس يقصد به الكافر خاصة كما قال (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (١) (كَفَّارٌ) أي شديد كفران نعم الله عليه ، جاحد لها ، غير شاكر لله سبحانه عليها ؛ كما ينبغي ويجب عليه.
وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) قال : هم كفّار أهل مكة. وأخرج البخاري في تاريخه ، وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمر بن الخطاب في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) قال : هما الأفجران من قريش : بنو المغيرة ، وبنو أمية ؛ فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ؛ وأما بنو أمية فمتّعوا إلى حين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والطبراني في الأوسط ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه من طرق عن عليّ في الآية نحوه أيضا. وأخرج عبد الرزاق والفريابي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه والبيهقي عن أبي الطفيل أن ابن الكوّاء سأل عليا عن الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال : هم الفجار من قريش كفيتهم يوم بدر. قال : فمن الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا؟ قال : منهم أهل حروراء. وقد روي في تفسير هذه الآية عن عليّ من طرق نحو هذا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) قال : الهلاك. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) قال : أشركوا بالله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) قال : بكل فائدة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) قال : دؤوبهما في طاعة الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) قال : من كل شيء رغبتم إليه فيه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : من كل الذي سألتموه. وأخرج ابن أبي الدنيا ، والبيهقي في الشّعب ، عن سليمان التيمي قال : إن الله أنعم على العباد على قدره ، وكلّفهم الشكر على قدرهم. وأخرجا أيضا عن بكر بن عبد الله المزني قال : يا ابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمّض عينيك. وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال : من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه ، فقد قلّ عمله وحضر عذابه. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال : قال داود عليهالسلام :
__________________
(١). العصر : ٢.