إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) أي : وهب لي على كبر سنّي وسنّ امرأتي ، وقيل : ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة ، وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة ، قيل : و «على» هنا بمعنى مع ، أي : وهو لي مع كبري ويأسي عن الولد (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) أي : لمجيب الدعاء من قولهم سمع كلامه ؛ إذا أجابه واعتدّ به وعمل بمقتضاه ، وهو من إضافة الصفة المتضمّنة للمبالغة إلى المفعول ؛ والمعنى : إنك لكثير إجابة الدعاء لمن يدعوك. ثم سأل الله سبحانه بأن يجعله مقيم الصلاة ، محافظا عليها ، غير مهمل لشيء منها ، ثم قال : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أي : بعض ذريتي ؛ أي : اجعلني واجعل بعض ذريتي مقيمين للصلاة ، وإنما خصّ البعض من ذريته ؛ لأنه علم أن منهم من لا يقيمها كما ينبغي. قال الزجاج : أي : اجعل من ذرّيتي من يقيم الصلاة ، ثم سأل الله سبحانه أن يتقبل دعاءه على العموم ، ويدخل في ذلك دعاؤه في هذا المقام دخولا أوّليا. قيل : والمراد بالدعاء هنا العبادة ، فيكون المعنى : وتقبّل عبادتي التي أعبدك بها ، ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر له ما وقع منه ممّا يستحق أن يغفره الله وإن لم يكن كبيرا ؛ لما هو معلوم من عصمة الأنبياء عن الكبائر. ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر لوالديه. وقد قيل : إنه دعا لهما بالمغفرة قبل أن يعلم أنهما عدوّان لله سبحانه كما في قوله سبحانه : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) (١). وقيل : كانت أمه مسلمة ، وقيل : أراد بوالديه آدم وحوّاء. وقرأ سعيد بن جبير «ولوالدي» بالتوحيد على إرادة الأب وحده. وقرأ إبراهيم النخعي «ولولديّ» يعني إسماعيل وإسحاق ، وكذا قرأ يحيى ابن يعمر ، ثم استغفر للمؤمنين. وظاهره شمول كلّ مؤمن سواء كان من ذرّيته أو لم يكن منهم ، وقيل : أراد المؤمنين من ذريته فقط (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) أي : يوم يثبت حساب المكلّفين في المحشر ، استعير له لفظ يقوم الذي هو حقيقته في قيام الرجل لدلالة على أنه في غاية الاستقامة ؛ وقيل : إن المعنى يوم يقوم الناس للحساب ، والأول أولى.
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) الآية قال : فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده ، فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته ، واستجاب الله له ، وجعل هذا البلد آمنا ، ورزق أهله من الثمرات ، وجعله إماما ، وجعل من ذريّته من يقيم الصلاة ، وتقبل دعاءه فأراه مناسكه وتاب عليه. وأخرج أبو نعيم في «الدلائل» عن عقيل بن أبي طالب أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة ، فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه ، فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه ، فقرأ من سورة إبراهيم : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) إلى آخر السورة ، فرقّ القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه. وأخرج الواقدي وابن عساكر عن طريق عامر ابن سعد عن أبيه قال : كانت سارة تحت إبراهيم ، فمكثت تحته دهرا لا ترزق منه ولدا ، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية ، فولدت له إسماعيل ، فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها وعتبت على هاجر ، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أشرافا (٢) ، فقال لها إبراهيم : هل لك أن تبرّي يمينك؟ قالت : كيف أصنع؟
__________________
(١). التوبة : ١١٤.
(٢). أشراف الإنسان : أذناه وأنفه. (اللسان : شرف)