سورة النّحل
وهي مكية كلّها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، ورواه ابن مردويه عن ابن عباس وعن أبي الزبير. وأخرج النحّاس من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : سورة النحل نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أحد ، وقيل : وهي قوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) (١) الآية ، وقوله : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) (٢) في شأن التّمثيل بحمزة وقتلى أحد ، وقوله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا) (٣) الآية ، وقيل : الثالثة : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) إلى قوله : (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤) وتسمّى هذه السورة سورة النّعم ؛ بسبب ما عدّد الله فيها.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩))
قوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) أي : عقابه للمشركين ، وقال جماعة من المفسّرين : القيامة. قال الزجّاج : هو ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم ، وعبّر عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقّق وقوعه ؛ وقيل : إن المراد بأمر الله حكمه بذلك ، وقد وقع وأتى ، فأما المحكوم به فإنه لم يقع ؛ لأنه سبحانه حكم بوقوعه في وقت معين ، فقبل مجيء ذلك الوقت لا يخرج إلى الوجود ؛ وقيل : إن المراد بإتيانه إتيان مباديه ومقدّماته (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) نهاهم عن استعجاله ، أي : فلا تطلبوا حضوره قبل ذلك الوقت ، وقد كان المشركون يستعجلون عذاب الله كما قال النّضر بن الحارث : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) (٥) الآية ، والمعنى : قرب أمر الله فلا تستعجلوه ، وقد كان استعجالهم له على طريقة الاستهزاء من دون استعجال على الحقيقة ،
__________________
(١). النحل : ١٢٦.
(٢). النحل : ١٢٧.
(٣). النحل : ١١٠.
(٤). النحل : ٩٥ و ٩٦.
(٥). الأنفال : ٣٢.