الفظيعة مثل السوء ، أي : صفة السوء من الجهل والكفر بالله ؛ وقيل : هو وصفهم لله سبحانه بالصاحبة والولد ؛ وقيل : هو حاجتهم إلى الولد ليقوم مقامهم ووأد البنات لدفع العار وخشية الإملاق ؛ وقيل : العذاب والنار (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) وهو أضداد صفة المخلوقين من الغنى الكامل والجود الشامل والعلم الواسع ، أو التوحيد وإخلاص العبادة ، أو أنه خالق رازق قادر مجاز ؛ وقيل : شهادة أن لا إله إلا الله ، وقيل : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) (١). (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب فلا يضرّه نسبتهم إليه ما لا يليق به (الْحَكِيمُ) في أفعاله وأقواله. ثم لما حكى سبحانه عن القوم عظيم كفرهم بيّن سعة كرمه وحلمه حيث لم يعاجلهم بالعقوبة ولم يؤاخذهم بظلمهم ، فقال : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) والمراد بالناس هنا الكفار أو جميع العصاة (ما تَرَكَ عَلَيْها) أي : على الأرض وإن لم يذكر فقد دلّ عليها ذكر الناس وذكر الدابة ، فإن الجميع مستقرّون على الأرض ، والمراد بالدابة الكافر ، وقيل : كلّ ما دبّ ؛ وقد قيل على هذا كيف يعمّ بالهلاك مع أن فيهم من لا ذنب له؟ وأجيب بإهلاك الظالم انتقاما منه ، وإهلاك غيره إن كان من أهل التكليف فلأجل توفير أجره ، وإن كان من غيرهم فبشؤم ظلم الظالمين ، ولله الحكمة البالغة (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢) ، ومثل هذا قوله : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (٣). وفي معنى هذا أحاديث منها ما عند مسلم وغيره من حديث ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على نياتهم» ، وكذلك حديث الجيش : «الذين يخسف بهم في البيداء ، وفي آخره : أنهم يبعثون على نياتهم» وقد قدّمنا عند تفسير قوله سبحانه : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) الآية تحقيقا حقيقا بالمراجعة له (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) معلوم عنده وهو منتهى حياتهم وانقضاء أعمارهم أو أجل عذابهم ، وفي هذا التأخير حكمة بالغة منها الإعذار إليهم وإرخاء العنان معهم ، ومنها حصول من سبق في علمه من أولادهم (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) الذي سمّاه لهم حقت عليهم كلمة الله سبحانه في ذلك الوقت من دون تقدّم عليه ولا تأخر عنه ، والساعة المدّة القليلة ، وقد تقدّم تفسيرها هذا وتحقيقه. ثم ذكر نوعا آخر من جهلهم وحمقهم فقال : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) أي : ينسبون إليه سبحانه ما يكرهون نسبته إلى أنفسهم من البنات ، وهو تكرير لما قد تقدّم لقصد التأكيد والتقرير ولزيادة التوبيخ والتقريع (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) هذا من النوع الآخر الذي ذكره سبحانه من قبائحهم وهو ، أي : هذا الذي تصفه ألسنتهم من الكذب هو قولهم : (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) أي : الخصلة الحسنى ، أو العاقبة الحسنى. قال الزجّاج : يصفون أن لهم مع قبح قولهم من الله الجزاء الحسن. قال الزجاج أيضا والفراء : أبدل من قوله وتصف ألسنتهم الكذب قوله أن لهم الحسنى ، والكذب منصوب على أنه مفعول تصف. وقرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد وابن محيصن : الكذب برفع الكاف والذال والباء على أنه صفة للألسن وهو جمع كذوب ، فيكون المفعول على هذا هو أن لهم الحسنى. ثم ردّ الله سبحانه عليهم بقوله : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) أي : حقا أن لهم مكان ما جعلوه لأنفسهم من الحسنى النار ، وقد تقدّم تحقيق هذا (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) قال ابن الأعرابي
__________________
(١). النور : ٣٥.
(٢). الأنبياء : ٢٣.
(٣). الأنفال : ٢٥.