كل واحد منها لواحد من الثلاثة ، أعني الإبل ، ونوعي الغنم ، والأثاث متاع البيت ، وأصله الكثرة والاجتماع ، ومنه شعر أثيث : أي كثير مجتمع ، قال الشاعر (١) :
وفرع يزين المتن أسود فاحم |
|
أثيث كقنو النّخلة المتعثكل (٢) |
قال الخليل : أثاثا ، أي : منضمّا بعضه إلى بعض ، من أثّ إذا أكثر ، قال الفراء : لا واحد له ، والمتاع : ما يتمتع به بأنواع التمتع ، وعلى قول أبي زيد الأنصاري : إن الأثاث المال أجمع : الإبل والغنم والعبيد والمتاع ، يكون عطف المتاع على الأثاث من عطف الخاص على العام ؛ وقيل : إن الأثاث ما يكتسي به الإنسان ويستعمله من الغطاء والوطاء ، والمتاع : ما يفرش في المنازل ويتزيّن به ، ومعنى (إِلى حِينٍ) إلى أن تقضوا أو طاركم منه ، أو إلى أن يبلى ويفنى ، أو إلى الموت ، أو إلى القيامة ؛ ثم لما كان الإنسان قد لا يكون له خيام ، أو أبنية يستظل بها لفقر ، أو لعارض آخر فيحتاج إلى أن يستظلّ بشجر أو جدار أو غمام أو نحو ذلك نبه سبحانه على ذلك فقال : (جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً) أي : أشياء تستظلون بها كالأشياء المذكورة. والحاصل أن الظلال تعمّ الأشياء التي تظلّ ؛ ثم لما كان المسافر قد يحتاج إلى ركن يأوي إليه في نزوله ، وإلى ما يدفع به عن نفسه آفات الحر والبرد ، نبّه سبحانه على ذلك فقال : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) وهي جمع كنّ ، وهو ما يستكنّ به من المطر ، وهي هنا الغيران في الجبال ، وجعلها الله سبحانه عدّة للخلق يأوون إليها ، ويتحصنون بها ، ويعتزلون عن الخلق فيها : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ) جمع سربال ، وهي القمصان والثياب من الصوف والقطن والكتان وغيرهما. قال الزجاج : كل ما لبسته فهو سربال ، ومعنى (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) تدفع عنكم ضرر الحرّ ، وخصّ الحرّ ولم يذكر البرد اكتفاء بذكر أحد الضدين عن ذكر الآخر ؛ لأن ما وقى من الحرّ وقى من البرد. ووجه تخصيص الحرّ بالذكر أن الوقاية منه كانت أهمّ عندهم من الوقاية من البرد لغلبة الحرّ في بلادهم (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) وهي الدروع والجواشن يتقون بها الطعن والضرب والرمي. والمعنى : أنها تقيم البأس الذي يصل من بعضهم إلى بعض في الحرب (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) أي : مثل ذلك الإتمام البالغ يتمّ نعمته عليكم ، فإنه سبحانه قد منّ على عباده بصنوف النعم المذكورة هاهنا وبغيرها ، وهو بفضله وإحسانه سيتمّ لهم نعمة الدين والدنيا (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) إرادة أن تسلموا ، إن من أمعن النظر في هذه النعم لم يسعه إلا الإسلام والانقياد للحق. وقرأ ابن محيصن وحميد «تتم نعمته» بتاءين فوقيتين على أن فاعله نعمته ، وقرأ الباقون بالتحتية على أن الفاعل هو الله سبحانه. وقرأ ابن عباس وعكرمة (تُسْلِمُونَ) بفتح التاء واللام من السلامة من الجراح ، وقرأ الباقون بضم التاء وكسر اللام من الإسلام. قال أبو عبيد : والاختيار قراءة العامة ؛ لأن ما أنعم الله به علينا من الإسلام أفضل مما أنعم به من السلامة من الجراح ؛ وقيل : الخطاب لأهل مكة ، أي : لعلّكم يا أهل مكة تخلصون لله الربوبية ، والأولى الحمل على العموم ، وإفراد النعمة ،
__________________
(١). هو امرؤ القيس.
(٢). «الفرع» : الشعر التام. «المتن» : ما عن يمين الصلب وشماله من العصب واللحم. «الفاحم» : الشديد السواد. «القنو» : العذق وهو الشمراخ. «المتعثكل» : الذي قد دخل بعضه في بعض لكثرته.