كسقى وأسقى لغتان ، وقد جمع بينهما الشاعر (١) في قوله :
حيّ النّضيرة ربّة الخدر |
|
أسرت إليّ ولم تكن تسري |
وقيل : هو سير أوّل الليل خاصة ، وإذا كان الإسراء لا يكون إلا في الليل فلا بدّ للتصريح بذكر الليل بعده من فائدة ، فقيل : أراد بقوله ليلا تقليل مدّة الإسراء ، وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسافة أربعين ليلة. ووجه دلالة ليلا على تقليل المدّة ما فيه من التنكير الدالّ على البعضية ، بخلاف ما إذا قلت سريت الليل فإنه يفيد استيعاب السير له جميعا. وقد استدلّ صاحب الكشاف على إفادة ليلا للبعضية بقراءة عبد الله وحذيفة «من الليل». وقال الزجّاج : معنى (أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) سيّر عبده يعني محمدا ليلا ، وعلى هذا فيكون معنى أسرى معنى سير ؛ فيكون للتقييد بالليل فائدة ، وقال بعبده ولم يقل بنبيه أو رسوله أو بمحمد تشريفا له صلىاللهعليهوسلم ، قال أهل العلم : لو كان غير هذا الاسم أشرف منه لسمّاه الله سبحانه به في هذا المقام العظيم والحالة العلية :
لا تدعني إلا بياعبدها |
|
فإنه أشرف أسمائي |
ادعاء بأسماء نبزا في قبائلها |
|
كأن أسماء أضحت بعض أسمائي |
(مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال الحسن وقتادة : يعني المسجد نفسه ، وهو ظاهر القرآن. وقال عامة المفسرين : أسري برسول الله صلىاللهعليهوسلم من دار أم هانئ ، فحملوا المسجد الحرام على مكة أو الحرم لإحاطة كل واحد منهما بالمسجد الحرام ، أو لأن الحرم كله مسجد. ثم ذكر سبحانه الغاية التي أسرى برسوله صلىاللهعليهوسلم إليها فقال : (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) وهو بيت المقدس ، وسمّي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ، ولم يكن حينئذ وراءه مسجد ، ثم وصف المسجد الأقصى بقوله : (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) بالثمار والأنهار والأنبياء والصالحين ، فقد بارك الله سبحانه حول المسجد الأقصى ببركات الدنيا والآخرة ، وفي باركنا بعد قوله أسرى التفات من الغيبة إلى التكلم. ثم ذكر العلّة التي أسرى به لأجلها فقال : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) أي : ما أراه الله سبحانه في تلك الليلة من العجائب التي من جملتها قطع هذه المسافة الطويلة في جزء من الليل (إِنَّهُ) سبحانه (هُوَ السَّمِيعُ) بكل مسموع ، ومن جملة ذلك قول رسوله صلىاللهعليهوسلم : (الْبَصِيرُ) بكل مبصر ، ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله.
وقد اختلف أهل العلم هل كان الإسراء بجسده صلىاللهعليهوسلم مع روحه أو بروحه فقط؟ فذهب معظم السلف والخلف إلى الأوّل. وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم منهم عائشة ومعاوية والحسن وابن إسحاق ، وحكاه ابن جرير عن حذيفة بن اليمان. وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالوا : كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس ، وإلى السماء بالروح ، واستدلّوا على هذا التفصيل بقوله إلى المسجد الأقصى ، فجعله غاية للإسراء بذاته صلىاللهعليهوسلم ، فلو كان الإسراء من بيت المقدس إلى السماء وقع بذاته لذكره ، والذي دلّت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة
__________________
(١). هو حسان بن ثابت.