لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١))
قوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) أي : أعلمنا وأخبرنا ، أو حكمنا وأتممنا ؛ وأصل القضاء : الإحكام للشيء والفراغ منه ؛ وقيل : أوحينا ، ويدلّ عليه قوله : (إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) ولو كان بمعنى الإعلام والإخبار لقال : قضينا بني إسرائيل ، ولو كان بمعنى حكمنا لقال : على بني إسرائيل ، ولو كان بمعنى أتممنا : لقال لبني إسرائيل ؛ والمراد بالكتاب : التوراة ، ويكون إنزالها على نبيهم موسى كإنزالها عليهم لكونهم قومه ؛ وقيل : المراد بالكتاب اللوح المحفوظ. وقرأ أبو العالية وسعيد بن جبير «في الكتب». وقرأ عيسى الثقفي (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ) بفتح المثناة ، ومعنى هذه القراءة قريب من معنى قراءة الجمهور ، لأنهم إذا أفسدوا فسدوا في نفوسهم ، والمراد بالفساد : مخالفة ما شرعه الله لهم في التوراة ، والمراد بالأرض : أرض الشام وبيت المقدس ، وقيل : أرض مصر ، واللام في (لَتُفْسِدُنَ) جواب قسم محذوف. قال النيسابوري : أو أجري القضاء المبتوت مجرى القسم ، كأنه قيل : وأقسمنا لتفسدنّ وانتصاب (مَرَّتَيْنِ) على أنه صفة مصدر محذوف ، أو على أنه في نفسه مصدر عمل فيه ما هو من غير جنسه ، والمرة الأولى قتل شعياء ، أو حبس أرمياء ، أو مخالفة أحكام التوراة ، والثانية قتل يحيى بن زكريا والعزم على قتل عيسى (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) هذه اللام كاللام التي قبلها ، أي : لتستكبرنّ عن طاعة الله ، ولتستعلنّ على الناس بالظلم والبغي مجاوزين للحدّ في ذلك (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) أي : أولى المرتين المذكورتين (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي : قوّة في الحروب وبطش عند اللقاء. قيل : هو بختنصر وجنوده ، وقيل : جالوت ، وقيل : جند من فارس ، وقيل : جند من بابل (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) أي : عاثوا وتردّدوا ، يقال : جاسوا وهاسوا وداسوا بمعنى ، ذكره ابن عزيز والقتبي. قال الزجاج : معناه طافوا خلال الديار هل بقي أحد لم يقتلوه؟ قال : والجوس : طلب الشيء باستقصاء. قال الجوهري : الجوس مصدر قولك جاسوا خلال الديار ؛ أي : تخلّلوها كما يجوس الرجل للأخبار ؛ أي : يطلبها ، وكذا قال أبو عبيدة. وقال : ابن جرير : معنى جاسوا طافوا بين الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين. وقال الفراء : معناه قتلوهم بين بيوتهم ، وأنشد لحسان :
ومنّا الذي لاقى بسيف محمد |
|
فجاس به الأعداء عرض العساكر |
وقال قطرب : معناه نزلوا ، وأنشد قول الشاعر :
فجسنا ديارهم عنوة |
|
وأبنا بساداتهم موثّقينا |
وقرأ ابن عباس «فحاسوا» بالحاء المهملة. قال أبو زيد : الحوس والجوس والعوس والهوس : الطوف بالليل. وقيل : الطوف بالليل هو الجوسان محركا ، كذا قال أبو عبيدة. وقرئ «خلل الديار» ومعناه معنى خلال وهو وسط الديار (وَكانَ) ذلك (وَعْداً مَفْعُولاً) أي : كائنا لا محالة (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) أي : الدولة والغلبة والرجعة وذلك عند توبتهم. قيل : وذلك حين قتل داود جالوت ، وقيل : حين