قتل بختنصر (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) بعد نهب أموالكم وسبي أبنائكم حتى عاد أمركم كما كان (وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) قال أبو عبيدة : النفير العدد من الرجال ؛ فالمعنى : أكثر رجالا من عدوكم. والنفير : من ينفر مع الرجل من عشيرته ، يقال : نفير ونافر مثل قدير وقادر ، ويجوز أن يكون النفير جمع نفر (إِنْ أَحْسَنْتُمْ) أي : أفعالكم وأقوالكم على الوجه المطلوب منكم (أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) لأن ثواب ذلك عائد إليكم (وَإِنْ أَسَأْتُمْ) أفعالكم وأقوالكم فأوقعتموها لا على الوجه المطلوب منكم (فَلَها) أي : فعليها. ومثله قول الشاعر :
فخرّ صريعا لليدين وللفم (١)
أي : على اليدين وعلى الفم. قال ابن جرير : اللام بمعنى إلى ، أي : فإليها ترجع الإساءة كقوله تعالى : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) أي : إليها ؛ وقيل : المعنى : فلها الجزاء أو العقاب. وقال الحسين بن الفضل : فلها ربّ يغفر الإساءة. وهذا الخطاب قيل : هو لبني إسرائيل الملابثين لما ذكر في هذه الآيات ؛ وقيل : لبني إسرائيل الكائنين في زمن محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ ومعناه : إعلامهم ما حلّ بسلفهم فليرتقبوا مثل ذلك ، وقيل : هو خطاب لمشركي قريش (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) أي : حضر وقت ما وعدوا من عقوبة المرة الآخرة ، والمرة الآخرة هي قتلهم يحيى بن زكريا كما سبق ، وقصة قتله مستوفاة في الإنجيل واسمه فيه يوحنا ، قتله ملك من ملوكهم بسبب امرأة حملته على قتله ، واسم الملك لاخت قاله ابن قتيبة. وقال ابن جرير : هيردوس ، وجواب إذا محذوف تقديره : بعثناهم لدلالة جواب إذا الأولى عليه ، و (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) متعلّق بهذا الجواب المحذوف ، أي : ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم حتى تظهر عليكم آثار المساءة وتتبين في وجوهكم الكآبة ؛ وقيل : المراد بالوجوه السادة منهم. وقرأ الكسائي «لنسوء» بالنون ؛ على أن الضمير لله سبحانه. وقرأ أبيّ «لنسوءن» بنون التأكيد. وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثاب وحمزة وابن عامر «ليسوء» بالتحتية والإفراد. قال الزجاج : كلّ شيء كسرته وفتنه فقد تبرته ، والضمير لله أو الوعد (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ) معطوف على ليسوءوا (كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا) أي : يدمروا ويهلكوا ، وقال قطرب : يهدموا ، ومنه قول الشاعر :
فما الناس إلا عاملان فعامل |
|
يتبّر ما يبني وآخر رافع |
وقرأ الباقون بالتحتية وضم الهمزة وإثبات واو بعدها على أن الفاعل عباد لنا (ما عَلَوْا) أي : ما غلبوا عليه من بلادكم أو مدة علوهم (تَتْبِيراً) أي : تدميرا ، ذكر المصدر إزالة للشك وتحقيقا للخبر (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) يا بني إسرائيل بعد انتقامه منكم في المرة الثانية (وَإِنْ عُدْتُمْ) للثالثة (عُدْنا) إلى عقوبتكم. قال أهل السير : ثم إنهم عادوا إلا ما لا ينبغي ، وهو تكذيب محمد صلىاللهعليهوسلم وكتمان ما ورد في
__________________
(١). وصدره : وهتكت بالرمح الطويل إهانة. والبيت لربيعة بن مكدم.