بعثه في التوراة والإنجيل ، فعاد الله إلى عقوبتهم على أيدي العرب ، فجرى على بني قريظة والنضير وبني قينقاع وخيبر ما جرى من القتل والسبي والإجلاء وضرب الجزية على من بقي منهم ، وضرب الذلة والمسكنة (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) وهو المحبس ، فهو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول. والمعنى : أنهم محبوسون في جهنّم لا يتخلّصون عنها أبدا. قال الجوهري : حصره يحصره حصرا ؛ ضيق عليه وأحاط به ، وقيل : فراشا ومهادا ، وأراد على هذا بالحصير الحصير الذي يفرشه الناس (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) يعني القرآن يهدي الناس الطريقة التي هي أقوم من غيرها من الطرق وهي ملّة الإسلام ، فالتي هي أقوم صفة لموصوف محذوف وهي الطريق. وقال الزجّاج : للحال التي هي أقوم الحالات ، وهي توحيد الله والإيمان برسله ، وكذا قال الفراء (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) قرأ حمزة والكسائي «يبشر» بفتح الياء وضم الشين. وقرأ الباقون بضم الياء وكسر الشين من التبشير ؛ أي : يبشر بما اشتمل عليه من الوعد بالخير آجلا وعاجلا للمؤمنين (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ) التي أرشد إلى عملها القرآن (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) أي : بأنّ لهم (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وأحكامها المبينة في القرآن (أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) وهو عذاب النار ، وهذه الجملة معطوفة على جملة يبشر بتقدير يخبر ، أي : ويخبر بأن الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وقيل : معطوفة على قوله : (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) ويراد بالتبشير مطلق الإخبار ، أو يكون المراد منه معناه الحقيقي ، ويكون الكلام مشتملا على تبشير المؤمنين ببشارتين : الأولى : ما لهم من الثواب ، والثانية : ما لأعدائهم من العقاب (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ) المراد بالإنسان هنا الجنس لوقوع هذا الدعاء من بعض أفراده وهو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له (دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) أي : مثل دعائه لربه بالخير لنفسه ولأهله كطلب العافية والرزق ونحوهما ، فلو استجاب الله دعاءه على نفسه بالشرّ هلك ، لكنه لم يستجب تفضلا منه ورحمة ، ومثل ذلك : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) (١) وقد تقدّم ؛ وقيل : المراد بالإنسان هنا القائل هذه المقالة هو الكافر يدعو لنفسه بالشرّ ، وهو استعجال العذاب دعاءه بالخير كقول القائل : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢). وقيل : هو أن يدعو في طلب المحظور كدعائه في طلب المباح ، وحذفت الواو من ويدع الإنسان في رسم المصحف لعدم التلفظ بها لوقوع اللام الساكنة بعدها كقوله : (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) (٣) ، (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) (٤) ، (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ) (٥) ونحو ذلك (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) أي : مطبوعا على العجلة ، ومن عجلته أنه يسأل الشرّ كما يسأل الخير ؛ وقيل : إشارته إلى آدم عليهالسلام حين نهض قبل أن تكمل فيه الروح ، والمناسب للسّياق هو الأول.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) قال : أعلمناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : أخبرناهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا قضينا
__________________
(١). يونس : ١١.
(٢). الأنفال : ٣٢.
(٣). العلق : ١٨.
(٤). الشورى : ٢٤.
(٥). النساء : ١٤٦.