اللَّاتَ وَالْعُزَّى) (١) فألقى عليه الشّيطان : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهم لترتجى ، فقرأ النبي صلىاللهعليهوسلم ما بقي من السورة وسجد ، فأنزل الله (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) الآية ، فما زال مهموما مغموما حتى أنزل الله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى) (٢) الآية. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس «أن ثقيفا قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : أجّلنا سنة حتى يهدى لآلهتنا ، فإذا قبضنا الذي يهدى للآلهة أحرزناه ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة ، فهمّ أن يؤجلهم ، فنزلت (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) الآية. وأخرج ابن جرير عنه في قوله : (ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) يعني ضعف عذاب الدنيا والآخرة. وأخرج البيهقي عن الحسن في الآية قال : هو عذاب القبر. وأخرج أيضا عن عطاء مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قال المشركون للنبي صلىاللهعليهوسلم : كانت الأنبياء تسكن الشام ، فمالك والمدينة؟ فهمّ أن يشخص ، فأنزل الله (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) الآية. وأخرج ابن جرير عن حضرمي أنه بلغه أن بعض اليهود فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر عن عبد الرحمن ابن غنم أن اليهود أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إن كنت نبيا فالحق بالشام ، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء ، فصدّق النبيّ صلىاللهعليهوسلم ما قالوا ، فتحرّى غزوة تبوك لا يريد إلا الشام ، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) إلى قوله : (تَحْوِيلاً) فأمره بالرجوع إلى المدينة ، وقال : فيها محياك وفيها مماتك ومنها تبعث ، وقال له جبريل : سل ربّك فإن لكلّ نبيّ مسألة ، فقال : ما تأمرني أن أسأل؟ قال : (قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) فهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك. قال ابن كثير : وفي هذا الإسناد نظر ، والظاهر أنه ليس بصحيح فإن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يغز تبوك عن قول اليهود ، وإنما غزاها امتثالا لقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) (٣) وغزاها ليقتصّ وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) قال : همّ أهل مكة بإخراج النبي صلىاللهعليهوسلم من مكة وقد فعلوا بعد ذلك فأهلكهم الله يوم بدر ولم يلبثوا بعده إلا قليلا حتى أهلكهم الله يوم بدر ، وكذلك كانت سنّة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) قال : يعني بالقليل يوم أخذهم ببدر ، فكان ذلك هو القليل الذين لبثوا بعده.
(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ
__________________
(١). النجم : ١٩.
(٢). الحج : ٥٢.
(٣). التوبة : ١٢٣.