أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥))
لما ذكر سبحانه الإلهيات والمعاد والجزاء أردفها بذكر أشرف الطاعات ، وهي الصلاة ، فقال : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ). وقد أجمع المفسرون على أن هذه الآية المراد بها الصلوات المفروضة.
وقد اختلف العلماء في الدلوك المذكور في هذه الآية على قولين : أحدهما : أنه زوال الشمس عن كبد السماء ، قاله عمر وابنه وأبو هريرة وأبو برزة وابن عباس والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد وقتادة والضحّاك وأبو جعفر الباقر ، واختاره ابن جرير. والقول الثاني : أنه غروب الشمس ، قاله علي وابن مسعود وأبيّ بن كعب ، وروي عن ابن عباس. قال الفراء : دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها. قال الأزهري : معنى الدلوك في كلام العرب الزوال ، ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار : دالكة ، وقيل لها إذا أفلت : دالكة ؛ لأنها في الحالتين زائلة. قال : والقول عندي أنه زوالها نصف النهار لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس ، والمعنى : أقم الصلاة من وقت دلوك الشمس (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) فيدخل فيها الظهر والعصر وصلاتا غسق الليل ، وهما العشاءان ، ثم قال : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) هذه خمس صلوات. وقال أبو عبيد : دلوكها غروبها ، ودلكت براح : يعني الشمس ، أي : غابت ، وأنشد قطرب على هذا قول الشاعر :
هذا مقام قدمي رباح |
|
ذبّب حتى دلكت براح |
اسم من أسماء الشمس (١) على وزن حذام وقطام ، ومن ذلك قول ذي الرّمّة :
مصابيح ليست باللواتي تقودها |
|
نجوم ولا بالآفات الدوالك |
أي : الغوارب ، وغسق الليل : اجتماع الظلمة. قال الفرّاء والزجّاج : يقال : غسق الليل وأغسق ؛ إذا أقبل بظلامه. قال أبو عبيد : الغسق سواد الليل. قال ابن قيس الرّقيّات :
إنّ هذا الليل قد غسقا |
|
واشتكيت الهمّ والأرقا |
وقيل : غسق الليل : مغيب الشفق ، ومنه قول زهير :
ظلّت تجود يداها وهي لاهية |
|
حتى إذا جعجع (٢) الإظلام والغسق |
وأصل الكلمة من السيلان ، يقال : غسقت إذا سالت. وحكى الفراء غسق الليل وأغسق ، وظلم وأظلم ، ودجا وأدجى ، وغبش وأغبش ، وقد استدل بهذه الغاية أعني قوله : (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) من قال إن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب ، روي ذلك عن الأوزاعي وأبي حنيفة ، وجوّزه مالك
__________________
(١). في حاشية القرطبي (١٠ / ٣٠٣) : والصواب : من أسماء النساء.
(٢). في تفسير القرطبي (١٠ / ٣٠٤) : جنح.