فيما أوتي من المال ، ثم أعلم سبحانه أنه مبيد لذلك كله ومفنيه ، فقال : (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) أي : لجاعلون ما عليها من هذه الزينة عند تناهي عمر الدنيا صعيدا ترابا. قال أبو عبيدة : الصعيد المستوي من الأرض. وقال الزجّاج : هو الطريق الذي لا نبات فيه. قال الفراء : الجرز الأرض التي لا نبات فيها ، ومن قولهم : امرأة جرزا إذا كانت أكولا ، وسيفا جرازا إذا كان مستأصلا ، وجرز الجراد والشاة والإبل الأرض إذا أكلت ما عليها. قال ذو الرمّة :
طوى النحز والأجراز ما في بطونها (١)
ومعنى النظم : لا تحزن يا محمد مما وقع من هؤلاء من التكذيب فإنا قد جعلنا ما على الأرض زينة لاختبار أعمالهم ، وإنا لمذهبون ذلك عند انقضاء عمر الدنيا فمجازوهم إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) الآية قال : أنزل الكتاب عدلا قيما (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) ملتبسا. وأخرج ابن المنذر عن الضحّاك (قَيِّماً) قال : مستقيما. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة (مِنْ لَدُنْهُ) أي : من عنده. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي (حَسَناً) يعني الجنة (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) قال : هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البختري في نفر من قريش ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه ، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة ، فأحزنه حزنا شديدا ، فأنزل الله سبحانه (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ). وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه (باخِعٌ نَفْسَكَ) يقول : قاتل نفسك. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (أَسَفاً) قال : جزعا. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة (أَسَفاً) قال : حزنا. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) قال : الرجال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة ، من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال : العلماء زينة الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : هم الرجال العباد العمال لله بالطاعة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، والحاكم في التاريخ ، وابن مردويه عن ابن عمر قال : «تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فقلت : ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال : ليبلوكم أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله». وأخرج
__________________
(١). وعجزه : فما بقيت إلا الضلوع الجراشع.
«النحز» : الضرب والدفع. «الجراشع» : الغلاظ ، واحدها جرشع.