العين ، وهما لغتان ، ومحل جملة (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) النصب على الحال من ضمير المتكلم ، ومحل جملة (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) النصب أيضا على الحال ، وكلا الجملتين لتأكيد الاستبعاد والتعجب المستفاد من قوله : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) أي : كيف يحصل بيننا ولد الآن ، وقد كانت امرأتي عاقرا لم تلد في شبابها وشبابي ، وهي الآن عجوز ، وأنا شيخ هرم؟ ثم أجاب الله سبحانه على هذا السؤال المشعر بالتعجّب والاستبعاد بقوله : (قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ) الكاف في محل رفع ، أي : الأمر كذلك ، والإشارة إلى ما سبق من قول زكريا ، ثم ابتدأ بقوله : (قالَ رَبُّكَ) ويحتمل أن يكون محله النصب على المصدرية ، أي : قال قولا مثل ذلك ، والإشارة بذلك إلى مبهم يفسّره قوله : (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) وأما على الاحتمال الأوّل فتكون جملة (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) مستأنفة مسوقة لإزالة استبعاد زكريا بعد تقريره ، أي : قال هو مع بعده عندك عليّ هين ، وهو فيعل من هان الشيء يهون إذا لم يصعب ولم يمتنع من المراد. قال الفراء : أي : خلقه عليّ هين (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) هذه الجملة مقرّرة لما قبلها. قال الزجاج : أي : فخلق الولد لك كخلقك ، والمعنى : أن الله سبحانه خلقه ابتداء وأوجده من العدم المحض ، فإيجاد الولد له بطريق التوالد المعتاد أهون من ذلك وأسهل منه ، وإنما لم ينسب ذلك إلى آدم عليهالسلام لكونه المخلوق من العدم حقيقة بأن يقول : وقد خلقت أباك آدم من قبل ولم يك شيئا ، للدلالة على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشاء آدم من العدم قرأ أهل المدينة وأهل مكة والبصرة وعاصم وابن عامر (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ) وقرأ سائر الكوفيين وقد خلقناك من قبل (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) أي علامة تدلني على وقوع المسؤول وتحقّقه وحصول الحبل ، والمقصود من هذا السؤال تعريفه وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه. قال ابن الأنباري : وجه ذلك أن نفسه تاقت إلى سرعة الأمر ، فسأل الله آية يستدلّ بها على قرب ما منّ به عليه ، وقيل : طلب آية تدله على أن البشرى من الله سبحانه لا من الشيطان ؛ لأن إبليس أوهمه بذلك ، كذا قال الضحاك والسدّي ، وهو بعيد جدّا (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) قد تقدّم تفسير هذا في آل عمران مستوفى ، وانتصاب «سويا» على الحال ، والمعنى : آيتك أن لا تقدر على الكلام والحال أنك سويّ الخلق ليس بك آفة تمنعك منه ، وقد دلّ بذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران أن المراد ثلاثة أيام ولياليهنّ (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) وهو مصلّاه ، واشتقاقه من الحرب ، كأنّ ملازمه يحارب الشيطان ؛ وقيل : من الحرب محركا ، كأن ملازمه يلقى حربا وتعبا ونصبا (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) قيل : معنى أوحى : أومأ ، بدليل قوله في آل عمران : (إِلَّا رَمْزاً) ؛ وقيل : كتب لهم في الأرض ، وبالأوّل قال الكلبي والقرظي وقتادة وابن منبه ، وبالثاني قال مجاهد ، وقد يطلق الوحي على الكتابة ، ومنه قول ذي الرّمّة :
سوى الأربع الدّهم اللواتي كأنّها |
|
بقيّة وحي في بطون الصّحائف |
وقال عنترة :