وقال امرؤ القيس :
ويمنحها بنو شمجى بن جرم (١) |
|
معيزهم حنانك ذا الحنان |
قال ابن الأعرابي : الحنّان : مشدّدا ، من صفات الله عزوجل ، والحنان مخفّفا : العطف والرحمة ، والحنان : الرزق والبركة. قال ابن عطية : والحنان في كلام العرب أيضا ما عظم من الأمور في ذات الله ، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل : والله لئن قتلتم هذا العبد لأتّخذن قبره حنانا ، يعني بلالا ، لما مرّ به وهو يعذب ؛ وقيل : إن القائل لذلك هو ورقة بن نوفل. قال الأزهري : معنى ذلك لأترحمنّ عليه ، ولأتعطفنّ عليه لأنه من أهل الجنة ، ومثله قول الحطيئة:
تحنّن عليّ هداك المليك |
|
فإنّ لكلّ مقام مقالا |
ومعنى (مِنْ لَدُنَّا) من جنابنا ، قيل : ويجوز أن يكون المعنى أعطيناه رحمة من لدنا كائنة في قلبه يتحنّن بها على الناس ، ومنهم أبواه وقرابته حتى يخلصهم من الكفر (وَزَكاةً) معطوف على ما قبله ، والزكاة : التطهير والبركة والتنمية والبرّ ، أي : جعلناه مباركا للناس يهديهم إلى الخير ؛ وقيل : زكّيناه بحسن الثناء عليه كتزكية الشهود ؛ وقيل : صدقة تصدّقنا به على أبويه ، قاله ابن قتيبة (وَكانَ تَقِيًّا) أي : متجنّبا لمعاصي الله مطيعا له. وقد روي أنه لم يعمل معصية قط (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) معطوف على (تَقِيًّا) ، البرّ هنا بمعنى : البارّ ، فعل بمعنى فاعل ، والمعنى : لطيفا بهما محسنا إليهما (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) أي : لم يكن متكبّرا ولا عاصيا لوالديه أو لربه ، وهذا وصف له عليهالسلام بلين الجانب وخفض الجناح (وَسَلامٌ عَلَيْهِ) قال ابن جرير وغيره : معناه أمان عليه من الله. قال ابن عطية : والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة ، فهي أشرف وأنبه من الأمان ، لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه ، وهو أقلّ درجاته ، وإنما الشرف في أن يسلم الله عليه ، ومعنى (يَوْمَ وُلِدَ) أنه أمن من الشيطان وغيره في ذلك اليوم ، أو أن الله حياه في ذلك اليوم ، وهكذا معنى (يَوْمَ يَمُوتُ) وهكذا معنى (يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) قيل : أوحش ما يكون الإنسان في ثلاثة مواطن : يوم ولد لأنه خرج مما كان فيه ، ويوم يموت لأنه يرى قوما لم يكن قد عرفهم وأحكاما ليس له بها عهد ، ويوم يبعث لأنه يرى هول يوم القيامة. فخصّ الله سبحانه يحيى بالكرامة والسلامة في المواطن الثلاثة.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) قال : بجدّ (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) قال : الفهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : يقول اعمل بما فيه من فرائض. وأخرج ابن المنذر عن مالك بن دينار قال : اللب. وأخرج أبو نعيم والديلمي وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) قال : «أعطي الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين». وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن أبي حاتم عن قتادة بدله : وهو ابن ثلاث سنين. وأخرج الحاكم في تاريخه ، من طريق نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس
__________________
(١). في المطبوع : بنو سلخ بن بكر ، والمثبت من الديوان ص (١٤٣)