قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قال الغلمان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب ، فقال يحيى : ما للعب خلقنا ، اذهبوا نصلي ، فهو قول الله (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)». وأخرج ابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممّن أوتي الحكم صبيا». وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس موقوفا. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله : (وَحَناناً) قال : لا أدري ما هو إلا أنّي أظنّه يعطف الله على عبده بالرحمة ، وقد فسّرها جماعة من السّلف بالرحمة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَزَكاةً) قال : بركة ، وفي قوله : (وَكانَ تَقِيًّا) قال : طهر فلم يعمل بذنب.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦))
قوله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ) هذا شروع في ابتداء خلق عيسى ، والمراد بالكتاب هذه السورة ، أي : اذكر يا محمد للناس في هذه السورة قصة مريم ، ويجوز أن يراد بالكتاب جنس القرآن ، وهذه السورة منه ، ولما كان الذكر لا يتعلّق بالأعيان احتيج إلى تقدير مضاف يتعلّق به الذكر ، وهو قصة مريم ، أو خبر مريم (إِذِ انْتَبَذَتْ) العامل في الظرف هو ذلك المضاف المقدّر ، ويجوز أن يجعل بدل اشتمال من مريم ؛ لأن الأزمان مشتملة على ما فيها ، ويكون المراد بمريم خبرها ، وفي هذا الإبدال دلالة على تفخيم شأن الوقت لوقوع قصّتها العجيبة فيه ، والنبذ : الطرح والرمي. قال الله سبحانه : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) (١). والمعنى : أنها تنحّت وتباعدت. وقال ابن قتيبة : اعتزلت ، وقيل : انفردت ، والمعاني متقاربة. واختلفوا في سبب انتباذها ، فقيل : لأجل أن تعبد الله سبحانه ، وقيل : لتطهر من حيضها ، و (مِنْ أَهْلِها) متعلّق بانتبذت ، وانتصاب (مَكاناً شَرْقِيًّا) على المفعولية للفعل المذكور ، أي : مكانا من جانب الشرق ، والشّرق بسكون الراء : المكان الذي تشرق فيه الشمس ، وإنما خصّ المكان بالشرق لأنهم كانوا يعظّمون جهة الشرق لأنها مطلع الأنوار ، حكى معناه ابن جرير.
__________________
(١). آل عمران : ١٨٧.