ابن عمر : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن السريّ الذي قال الله لمريم (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) نهر أخرجه الله لها لتشرب منه». وفي إسناده أيوب بن نهيك الحلبي قال فيه أبو حاتم الرازي : ضعيف ، وقال أبو زرعة : منكر الحديث ، قال أبو فتح الأزدي : متروك الحديث ، وقال الطبراني بعد إخراج هذا الحديث : إنه غريب جدّا. وأخرج الطبراني في الصغير وابن مردويه عن البراء بن عازب عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) قال «النهر». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وصحّحه ، والحاكم وابن مردويه عن البراء قال في الآية : هو الجدول ، وهو النهر الصغير ، فظهر بهذا أن الموقوف أصح. وقد روي عن جماعة من التابعين أن السريّ هو عيسى. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (رُطَباً جَنِيًّا) قال : طريا. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه في قوله : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) قال : صمتا. وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عنه أنه قرأ : «صوما صمتا».
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣))
لما اطمأنت مريم عليهاالسلام بما رأت من الآيات وفرغت من نفاسها (فَأَتَتْ بِهِ) أي : بعيسى ، وجملة (تَحْمِلُهُ) في محل نصب على الحال ، وكان إتيانها إليهم من المكان القصيّ الذي انتبذت فيه ، فلما رأوا الولد معها حزنوا ، وكانوا أهل بيت صالحين ف (قالُوا) منكرين لذلك (يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ) أي : فعلت (شَيْئاً فَرِيًّا) قال أبو عبيدة : الفريّ العجيب النادر ، وكذا قال الأخفش. والفري : القطع ، كأنه ممّا يخرق العادة ، أو يقطع بكونه عجيبا نادرا. وقال قطرب : الفري : الجديد من الأسقية ، أي : جئت بأمر بديع جديد لم تسبقي إليه. وقال سعيد بن مسعدة : الفريّ : المختلق المفتعل ، يقال : فريت وأفريت بمعنى واحد ، والولد من الزّنا كالشيء المفترى ، قال تعالى : (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) (١). وقال مجاهد : الفريّ : العظيم.
(يا أُخْتَ هارُونَ) قد وقع الخلاف في معنى هذه الأخوّة ، وفي هارون المذكور من هو؟ فقيل : هو هارون أخو موسى ، والمعنى : أن من كانت نظنّها مثل هارون في العبادة كيف تأتي بمثل هذا؟ وقيل : كانت مريم من ولد هارون أخي موسى ، فقيل لها يا أخت هارون ، كما يقال لمن كان من العرب : يا أخا العرب ؛ وقيل : كان لها آخر من أبيها اسمه هارون ؛ وقيل : هارون هذا رجل صالح في ذلك الوقت ؛ وقيل : بل كان
__________________
(١). الممتحنة : ١٢.