السادسة ، وقيل : إلى الثانية. وقد روى البخاري في صحيحه من حديث الإسراء وفيه : «ومنهم إدريس في الثانية» ، وهو غلط من رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر. والصحيح أنه في السماء الرابعة كما رواه مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وقيل : إن المراد برفعه مكانا عليا : ما أعطيه من شرف النبوّة ، وقيل : إنه رفع إلى الجنة (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) الإشارة إلى المذكورين من أول السورة إلى هنا ، والموصول صفته ، ومن النبيين بيان للموصول ، و (مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ) بدل منه بإعادة الخافض ، وقيل : إن من في «من ذرية آدم» للتبعيض (وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) أي : من ذرية من حملنا معه وهم من عدا إدريس ، فإن إبراهيم كان من ذرية سام بن نوح (وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ) وهم الباقون (وَإِسْرائِيلَ) أي : ومن ذرية إسرائيل ، ومنهم موسى وهارون ويحيى وعيسى ؛ وقيل : إنه أراد بقوله : (مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ) إدريس وحده ، وأراد بقوله : (وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) إبراهيم وحده ، وأراد بقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ) إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، وأراد بقوله : (وَ) من ذرّية (إِسْرائِيلَ) موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى (وَمِمَّنْ هَدَيْنا) أي : من جملة من هدينا إلى الإسلام (وَاجْتَبَيْنا) بالإيمان (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) وهذا خبر لأولئك ، ويجوز أن يكون الخبر هو (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ). وهذا استئناف لبيان خشوعهم لله وخشيتهم منه. وقد تقدم في سبحان (١) بيان معنى خرّوا سجّدا ؛ يقال : بكى يبكي بكاء وبكيّا. قال الخليل : إذا قصرت البكاء فهو مثل الحزن ؛ أي : ليس معه صوت ، ومنه قول الشاعر (٢) :
بكت عيني وحقّ لها بكاها |
|
وما يغني البكاء ولا العويل |
و (سُجَّداً) منصوب على الحال. قال الزجاج : قد بيّن الله أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا آيات الله بكوا وسجدوا ، وقد استدلّ بهذه الآية على مشروعية سجود التلاوة ، ولما مدح هؤلاء الأنبياء بهذه الأوصاف ترغيبا لغيرهم في الاقتداء بهم وسلوك طريقتهم ذكر أضدادهم تنفيرا للناس عن طريقتهم ، فقال : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) أي : عقب سوء. قال أهل اللغة : يقال لعقب الخير خلف بفتح اللام ، ولعقب الشر خلف بسكون اللام ، وقد قدّمنا الكلام على هذا في آخر الأعراف (أَضاعُوا الصَّلاةَ) قال الأكثر : معنى ذلك أنهم أخّروها عن وقتها ، وقيل : أضاعوا الوقت ، وقيل : كفروا بها وجحدوا وجوبها ، وقيل : لم يأتوا بها على الوجه المشروع. والظاهر أنّ من أخّر الصلاة عن وقتها ، أو ترك فرضا من فروضها ، أو شرطا من شروطها ، أو ركنا من أركانها ؛ فقد أضاعها ، ويدخل تحت الإضاعة من تركها بالمرّة أو جحدها دخولا أوّليا.
واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية؟ فقيل : في اليهود ، وقيل : في النصارى ، وقيل : في قوم من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم يأتون في آخر الزمان ، ومعنى (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) أي : فعلوا ما تشتهيه أنفسهم وترغب إليه من المحرّمات كشرب الخمر والزّنا (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) الغيّ : هو الشرّ عند أهل اللغة ، كما أن الخير هو
__________________
(١). سورة الإسراء.
(٢). هو عبد الله بن رواحة.