قال عون : أفيسمعن الزور إذا قيل ولا يسمعن الخير؟ هنّ للخير أسمع ، وقرأ : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) الآيات.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨))
ذكر سبحانه من أحوال المؤمنين بعض ما خصّهم به بعد ذكره لقبائح الكافرين ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) أي : حبّا في قلوب عباده يجعله لهم من دون أن يطلبوه بالأسباب التي توجب ذلك كما يقذف في قلوب أعدائهم الرعب ، والسين في سيجعل للدلالة على أن ذلك لم يكن من قبل وأنه مجعول من بعد نزول الآية. وقرئ ودا بكسر الواو ، والجمهور من السبعة وغيرهم على الضم. ثم ذكر سبحانه تعظيم القرآن خصوصا هذه السورة لاشتمالها على التوحيد والنبوة ، وبيان حال المعاندين فقال : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) أي : يسرنا القرآن بإنزالنا له على لغتك ، وفصّلناه وسهّلناه ، والباء بمعنى على ، والفاء لتعليل كلام ينساق إليه النظم كأنه قيل : بلغ هذا المنزل أو بشر به أو أنذر (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ) الآية. ثم علّل ما ذكره من التيسير فقال : (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) أي : المتلبّسين بالتقوى ، المتّصفين بها (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) اللدّ : جمع الألد ، وهو الشديد الخصومة ، ومنه قوله تعالى : (أَلَدُّ الْخِصامِ) (١) قال الشاعر :
أبيت نجيا للهموم كأنّني |
|
أخاصم أقواما ذوي جدل لدّا |
وقال أبو عبيدة : الألد الذي لا يقبل الحق ويدّعي الباطل ، وقيل : اللدّ الصّم ، وقيل : الظلمة (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) أي : من أمة وجماعة من الناس ، وفي هذا وعد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بهلاك الكافرين ووعيد لهم (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) هذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها ، أي : هل تشعر بأحد منهم أو تراه (أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) الركز : الصوت الخفي ، ومنه ركز الرمح إذا غيّب طرفه في الأرض. قال طرفة :
وصادقنا (٢) سمع التّوجّس للسّرى |
|
لركز خفي أو لصوت مفند (٣) |
وقال ذو الرّمّة :
إذا توجس ركزا مقفر ندس |
|
بنبأة الصّوت ما في سمعه كذب |
__________________
(١). البقرة : ٢٠٤.
(٢). في المطبوع : وصادفتها. والمثبت من شرح المعلقات السبع ص (٩٩) تحقيق يوسف بديوي ، طبع دار ابن كثير.
(٣). في شرح المعلقات السبع : مندّد.