العربية لعلّتين : الأولى : أنه ليس هاهنا ياء ولا كسرة حتى تكون الإمالة ، والعلّة الثانية : أن الطاء من موانع الإمالة.
وقد اختلف أهل العلم في معنى هذه الكلمة على أقوال : الأوّل : أنها من المتشابه الذي لا يفهم المراد به ، والثاني : أنها بمعنى يا رجل في لغة عكل ، وفي لغة عكّ. قال الكلبي : لو قلت لرجل من عكّ يا رجل لم يجب حتى تقول طه ، وأنشد ابن جرير في ذلك :
دعوت بطه في القتال فلم يجب |
|
فخفت عليه أن يكون موائلا (١) |
ويروى : مزايلا ، وقيل : إنها في لغة عكّ بمعنى يا حبيبي. وقال قطرب : هي كذلك في لغة طيّ ؛ أي : بمعنى يا رجل ، وكذلك قال الحسن وعكرمة. وقيل : هي كذلك في اللغة السريانية ، حكاه المهدوي. وحكى ابن جرير أنها كذلك في اللغة النّبطية ، وبه قال السدّي وسعيد بن جبير. وحكى الثعلبي عن عكرمة أنها كذلك في لغة الحبشة ، ورواه عن عكرمة ، ولا مانع من أن تكون هذه الكلمة موضوعة لذلك المعنى في تلك اللغات كلها إذا صحّ النقل. القول الثالث : أنها اسم من أسماء الله سبحانه. والقول الرابع : أنها اسم للنبي صلىاللهعليهوسلم. القول الخامس : أنها اسم للسورة. القول السادس : أنها حروف مقطّعة يدلّ كلّ واحد منها على معنى. ثم اختلفوا في هذه المعاني التي تدلّ عليها هذه الحروف على أقوال كلها متكلّفة متعسّفة. القول السابع : أن معناها طوبى لمن اهتدى. القول الثامن : أن معناها : طإ الأرض يا محمد. قال ابن الأنباري : وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يتحمّل مشقّة الصّلاة حتى كادت قدماه تتورّم ويحتاج إلى التروّح ، فقيل له طإ الأرض ، أي : لا تتعب حتى تحتاج إلى التروّح. وحكى القاضي عياض في «الشفاء» عن الربيع بن أنس قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله (طه) يعني : طإ الأرض يا محمد. وحكي عن الحسن البصري أنه قرأ طه على وزن دع ، أمر بالوطء ، والأصل طأ فقلبت الهمزة هاء. وقد حكى الواحدي عن أكثر المفسرين أن هذه الكلمة معناها : يا رجل ، يريد النبي صلىاللهعليهوسلم قال : وهو قول الحسن وعكرمة وسعيد بن جبير والضحّاك وقتادة ومجاهد وابن عباس في رواية عطاء والكلبي ، غير أن بعضهم يقول : هي بلسان الحبشة والنبطية والسريانية ، ويقول الكلبي : هي بلغة عكّ. قال ابن الأنباري : ولغة قريش وافقت تلك اللغة في هذا المعنى ؛ لأن الله سبحانه لم يخاطب نبيه بلسان غير قريش ، انتهى. وإذا تقرّر أنها لهذا المعنى في لغة من لغات العرب كانت ظاهرة المعنى ، واضحة الدلالة ، خارجة عن فواتح السور التي قدّمنا بيان كونها من المتشابه في فاتحة سورة البقرة ، وهكذا إذا كانت لهذا المعنى في لغة من لغات العجم ، واستعملتها العرب في كلامها في ذلك المعنى كسائر الكلمات العجمية التي استعملتها العرب الموجودة في الكتاب العزيز ، فإنها صارت بذلك الاستعمال من لغة العرب ، وجملة (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١). البيت لمتمّم بن نويرة.
«موائل» : واءل : طلب النجاة.