القيامة. وقيل : المراد بالعشر عشر ساعات. ثم لما قالوا هذا القول قال الله سبحانه : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) أي : أعدلهم قولا ، وأكملهم رأيا ، وأعلمهم عند نفسه (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) أي : ما لبثتم إلا يوما واحدا ، ونسبة هذا القول إلى أمثلهم ؛ لكونه أدلّ على شدّة الهول ، لا لكونه أقرب إلى الصدق (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) أي : عن حال الجبال يوم القيامة ، وقد كانوا سألوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فأمره الله سبحانه أن يجيب عنهم ، فقال : (فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) قال ابن الأعرابي وغيره : يقلعها قلعا من أصولها ، ثم يصيرها رملا يسيل سيلا ، ثم يسيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا ، ثم كالهباء المنثور. والفاء في قوله : (فَقُلْ) لجواب شرط مقدّر ، والتقدير : إن سألوك فقل ، أو للمسارعة إلى إلزام السائلين ، والضمير في قوله : (فَيَذَرُها) راجع إلى الجبال باعتبار مواضعها ، أي : فيذر مواضعها بعد نسف ما كان عليها من الجبال (قاعاً صَفْصَفاً) قال ابن الأعرابي : القاع الصفصف : الأرض الملساء بلا نبات ولا بناء ، وقال الفراء : القاع : مستنقع الماء ، والصفصف : القرعاء الملساء التي لا نبات فيها. وقال الجوهري : القاع : المستوي من الأرض ، والجمع : أقوع وأقواع وقيعان. والظاهر من لغة العرب أن القاع : الموضع المنكشف ، والصفصف : المستوي الأملس ، وأنشد سيبويه :
وكم دون بيتك من صفصف |
|
ودكداك رمل وأعقادها (١) |
وانتصاب قاعا على أنه مفعول ثان ليذر على تضمينه معنى التصيير ، أو على الحال ، والصفصف صفة له ، ومحل (لا تَرى فِيها عِوَجاً) النصب على أنه صفة ثانية لقاعا ، والضمير راجع إلى الجبال بذلك الاعتبار ، والعوج بكسر العين التعوّج ، قاله ابن الأعرابي. والأمت : التلال الصغار ، والأمت في اللغة : المكان المرتفع ، وقيل : العوج : الميل ، والأمت : الأثر ، مثل الشراك ، وقيل : العوج : الوادي ، والأمت : الرابية ، وقيل : هما الارتفاع ، وقيل : العوج : الصدوع ، والأمت : الأكمة ، وقيل : الأمت : الشقوق في الأرض ، وقيل : الأمت : أن يغلظ في مكان ويدق في مكان ، ووصف مواضع الجبال بالعوج بكسر العين هاهنا يدفع ما يقال : إن العوج بكسر العين في المعاني وبفتحها في الأعيان ، وقد تكلّف لذلك صاحب الكشاف في هذا الموضع بما عنه غنى ، وفي غيره سعة (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ) أي : يوم نسف الجبال يتبع الناس داعي الله إلى المحشر. وقال الفرّاء : يعني صوت الحشر ، وقيل : الداعي هو إسرافيل إذا نفخ في الصور لا عوج له ، أي : لا معدل لهم عن دعائه فلا يقدرون على أن يزيغوا عنه ، أو ينحرفوا منه ، بل يسرعون إليه ، كذا قال أكثر المفسرين ، وقيل : لا عوج لدعائه (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) أي : خضعت لهيبته ، وقيل : ذلت ، وقيل : سكتت ، ومنه قول الشاعر :
لما أتى خبر الزّبير تواضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشّع |
__________________
(١). البيت للأعشى.
«الدكداك» : الرمل المستوي. «الأعقاد» : المنعقد من الرمل المتراكب.