وقول الآخر (١) :
ولكن ديافيّ أبوه وأمّه |
|
بحوران يعصرن السّليط أقاربه (٢) |
وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير ؛ أي : والذين ظلموا أسرّوا النجوى. قال أبو عبيدة : أسرّوا هنا من الأضداد ، يحتمل أن يكون بمعنى أخفوا كلامهم ، ويحتمل أن يكون بمعنى أظهروه وأعلنوه (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) هذه الجملة بتقدير القول قبلها ، أي : قالوا هل هذا الرسول إلا بشر مثلكم لا يتميز عنكم بشيء؟ ويجوز أن تكون هذه الجملة بدلا من النجوى ، وهل بمعنى النفي ، أي : وأسرّوا هذا الحديث ، والهمزة في (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) للإنكار ، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره ، وجملة (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) في محل نصب على الحال. والمعنى : إذا كان بشرا مثلكم ، وكان الذي جاء به سحرا ، فكيف تجيبونه إليه وتتبعونه ، فأطلع الله نبيه صلىاللهعليهوسلم على ما تناجوا به ، وأمره الله سبحانه أن يجيب عليهم فقال : قل (رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي : لا يخفى عليه شيء ممّا يقال فيهما ، وفي مصاحف أهل الكوفة «قال ربّي» أي : قال محمد : ربي يعلم القول ، فهو عالم بما تناجيتم به. قيل : القراءة الأولى أولى ؛ لأنهم أسرّوا هذا القول ، فأطلع الله رسوله صلىاللهعليهوسلم على ذلك ، وأمره أن يقول لهم هذا. قال النحاس : والقراءتان صحيحتان ، وهما بمنزلة آيتين (وَهُوَ السَّمِيعُ) لكل ما يسمع (الْعَلِيمُ) بكل معلوم ، فيدخل في ذلك ما أسرّوا دخولا أوليا (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) قال الزجّاج : أي : قالوا الذي تأتي به أضغاث أحلام. قال القتبي : أضغاث الأحلام : الرؤيا الكاذبة. وقال اليزيدي : الأضغاث : ما لم يكن له تأويل ، وهذا إضراب من جهة الله سبحانه حكاية لما وقع منهم ، وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية هذا القول. ثم حكى سبحانه إضرابهم عن قولهم : أضغاث أحلام ، قال : (بَلِ افْتَراهُ) أي : بل قالوا افتراه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل. ثم حكى سبحانه عنهم أنهم أضربوا عن هذا ، وقالوا : (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) وما أتى به من جنس الشعر ، وفي هذا الاضطراب منهم ، والتلوّن والتردّد أعظم دليل على أنهم جاهلون بحقيقة ما جاء به ، لا يدرون ما هو ولا يعرفون كنهه؟ أو كانوا قد علموا أنه حقّ ، وأنه من عند الله ، ولكن أرادوا أن يدفعوه بالصدر ، ويرموه بكل حجر ومدر ، وهذا شأن من غلبته الحجة وقهره البرهان. ثم بعد هذا كله ، قالوا : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ) وهذا جواب شرط محذوف ، أي : إن لم يكن كما قلنا فليأتنا بآية (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) أي : كما أرسل موسى بالعصا وغيرها ، وصالح بالناقة ، ومحل الكاف الجرّ صفة لآية ، ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف ، وكان سؤالهم هذا سؤال تعنّت ؛ لأن الله سبحانه قد أعطاهم من الآيات ما يكفي ، ولو علم الله سبحانه أنهم يؤمنون إذا أعطاهم ما يقترحوه لأعطاهم ذلك ، كما قال : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٣). قال الزّجّاج : اقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال ، فقال الله مجيبا لهم : (ما آمَنَتْ
__________________
(١). هو الفرزدق.
(٢). «دياف» : موضع بالجزيرة ، وهم نبط الشام. «السليط» : الزيت.
(٣). الأنفال : ٢٢.