وقال الفراء : إن اللام زائدة ، ومكان ظرف ، أي : أنزلناه فيه (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) قيل : إن هذه هي مفسرة لبوّأنا لتضمّنه معنى تعبدنا ؛ لأن التبوئة هي للعبادة. وقال أبو حاتم : هي مصدرية ، أي : لأن لا تشرك بي. وقيل : هي المخفّفة من الثقيلة ، وقيل : هي زائدة ، وقيل : معنى الآية : وأوحينا إليه أن لا تعبد غيري. قال المبرّد : كأنه قيل له وحّدني في هذا البيت ؛ لأنّ معنى لا تشرك بي : وحدني (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) من الشرك وعبادة الأوثان. وفي الآية طعن على من أشرك من قطّان البيت ، أي : هذا كان الشرط على أبيكم فمن بعده وأنتم فلم تفوا ، بل أشركتم. وقالت فرقة : الخطاب بقوله : (أَنْ لا تُشْرِكْ) لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذا ضعيف جدّا. ومعنى (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) تطهيره من الكفر والأوثان والدماء وسائر النجاسات ، وقيل : عنى به التطهير عن الأوثان فقط ، وذلك أن جرهما والعمالقة كانت لهم أصنام في محل البيت ، وقد مرّ في سورة براءة ما فيه كفاية في هذا المعنى ، والمراد بالقائمين هنا هم المصلون (وَ) ذكر (الرُّكَّعِ السُّجُودِ) بعده لبيان أركان الصلاة ؛ دلالة على عظم شأن هذه العبادة ، وقرن الطواف بالصلاة لأنهما لا يشرعان إلا في البيت ، فالطواف عنده والصلاة إليه (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) قرأ الحسن وابن محيصن «وآذن» بتخفيف الذال والمدّ. وقرأ الباقون بتشديد الذال ، والأذان : الإعلام ، وقد تقدّم في براءة.
قال الواحدي : قال جماعة المفسرين : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت جاء جبريل فأمره أن يؤذّن في الناس بالحج ، فقال : يا ربّ وما يبلغ صوتي؟ فقال الله سبحانه : أذّن وعليّ البلاغ ، فعلا المقام فأشرف به حتى صار كأعلى الجبال ، فأدخل إصبعيه في أذنيه ، وأقبل بوجهه يمينا وشمالا ، وشرقا وغربا ، وقال : يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت فأجيبوا ربكم ، فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء : لبيك اللهم لبيك. وقيل : إن الخطاب لنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم. والمعنى : أعلمهم يا محمد بوجوب الحجّ عليهم ، وعلى هذا فالخطاب لإبراهيم انتهى عند قوله : (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) وقيل : إن خطابه انقضى عند قوله : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) وأن قوله : (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي) وما بعده خطاب لنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ الجمهور (بِالْحَجِ) بفتح الحاء ، وقرأ ابن أبي إسحاق في كلّ القرآن بكسرها. (يَأْتُوكَ رِجالاً) هذا جواب الأمر ، وعده الله إجابة الناس له إلى حجّ البيت ما بين راجل وراكب ، فمعنى رجالا مشاة جمع راجل ، وقيل جمع رجل. وقرأ ابن أبي إسحاق «رجالا» بضم الراء وتخفيف الجيم ، وقرأ مجاهد «رجالي» على وزن فعالي مثل كسالى ، وقدّم الرجال على الركبان في الذكر لزيادة تعبهم في المشي ، وقال : يأتوك وإن كانوا يأتون البيت ؛ لأن من أتى الكعبة حاجّا فقد أتى إبراهيم ، لأنه أجاب نداءه. (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) عطف على رجالا ، أي : وركبانا على كل بعير ، والضامر : البعير المهزول الذي أتعبه السفر ، يقال : ضمر يضمر ضمورا ، ووصف الضامر بقوله : (يَأْتِينَ) باعتبار المعنى ، لأن ضامر في معنى ضوامر ، وقرأ أصحاب ابن مسعود وابن أبي عبلة والضحّاك «يأتون» على أنه صفة لرجالا. والفجّ : الطريق الواسع ، الجمع : فجاج ، والعميق : البعيد ، واللام في (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) متعلقة بقوله يأتوك ، وقيل : بقوله وأذن. والشهود : الحضور ، والمنافع : هي التي تعمّ منافع الدنيا والآخرة. وقيل : المراد بها المناسك ، وقيل : المغفرة ، وقيل : التجارة ، كما