وهو علامتهم التي يتعارفون بها ، ومنه إشعار البدنة ، وهو الطعن في جانبها الأيمن ، فشعائر الله أعلام دينه ، وتدخل الهدايا في الحجّ دخولا أوليا ، والضمير في قوله : (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) راجع إلى الشعائر بتقدير مضاف محذوف ، أي : فإن تعظيمها من تقوى القلوب ، أي : من أفعال القلوب التي هي من التقوى ، فإن هذا التعظيم ناشئ من التقوى (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ) أي : في الشعائر على العموم ، أو على الخصوص ، وهي البدن كما يدلّ عليه السياق. ومن منافعها : الركوب والدّرّ والنّسل والصوف وغير ذلك. (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو وقت نحرها (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أي : حيث يحلّ نحرها ، والمعنى : أنها تنتهي إلى البيت وما يليه من الحرم ، فمنافعهم الدنيوية المستفادة منها مستمرّة إلى وقت نحرها ، ثم تكون منافعها بعد ذلك دينية. وقيل : إن محلها هاهنا مأخوذ من إحلال الحرام ، والمعنى : أن شعائر الحجّ كلها من الوقوف بعرفة ورمي الجمار والسعي تنتهي إلى طواف الإفاضة بالبيت ، فالبيت على هذا مراد بنفسه (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) المنسك هاهنا المصدر من نسك ينسك إذا ذبح القربان ، والذبيحة نسيكة ، وجمعها نسك. وقال الأزهري : إن المراد بالمنسك في الآية موضع النحر ، ويقال : منسك بكسر السين وفتحها لغتان ، قرأ بالكسر الكوفيون إلا عاصما ، وقرأ الباقون بالفتح. وقال الفرّاء : المنسك في كلام العرب : الموضع المعتاد في خير أو شرّ ، وقال ابن عرفة (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) : أي مذهبا من طاعة الله. وروي عن الفراء أن المنسك العيد ، وقيل : الحجّ ، والأوّل أولى لقوله : (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) إلى آخره ، والأمة : الجماعة المجتمعة على مذهب واحد ، والمعنى : وجعلنا لكلّ أهل دين من الأديان ذبحا يذبحونه ودما يريقونه ، أو متعبدا أو طاعة أو عيدا أو حجا يحجّونه ، ليذكروا اسم الله وحده ، ويجعلوا نسكهم خاصا به (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) أي : على ذبح ما رزقهم منها ، وفيه إشارة إلى أن القربان لا يكون إلا من الأنعام دون غيرها ، وفي الآية دليل على أن المقصود من الذّبح المذكور هو ذكر اسم الله عليه. ثم أخبرهم سبحانه بتفرّده بالإلهية وأنه لا شريك له ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، ثم أمرهم بالإسلام له ، والانقياد لطاعته وعبادته ، وتقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر ، والفاء هنا كالفاء التي قبلها ، ثم أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يبشّر (الْمُخْبِتِينَ) من عباده ؛ أي : المتواضعين الخاشعين المخلصين ، وهو مأخوذ من الخبت ، وهو المنخفض من الأرض ، والمعنى : بشّرهم يا محمد بما أعدّ الله لهم من جزيل ثوابه وجليل عطائه. وقيل : إن المخبتين هم الذي لا يظلمون غيرهم وإذا ظلمهم غيرهم لم ينتصروا ، ثم وصف سبحانه هؤلاء المخبتين بقوله : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) أي : خافت وحذرت مخالفته ، وحصول الوجل منهم عند الذكر له سبحانه دليل على كمال يقينهم وقوّة إيمانهم ، ووصفهم بالصبر (عَلى ما أَصابَهُمْ) من البلايا والمحن في طاعة الله ثم وصفهم بإقامة (الصَّلاةِ) أي : الإتيان بها في أوقاتها على وجه الكمال. قرأ الجمهور : (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) بالجرّ على ما هو الظاهر ، وقرأ أبو عمرو بالنصب على توهّم بقاء النون ، وأنشد سيبويه على ذلك قول الشاعر :
الحافظو عورة العشيرة (١)
__________________
(١). البيت بتمامه :
الحافظو عورة العشيرة لا |
|
يأتيهم من ورائنا نطف |