وقال الفراء والزجاج : إنّ نبت وأنبت بمعنى ، والأصمعي ينكر أنبت ، ويرد عليه قول زهير :
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم |
|
قطينا بها حتى إذا أنبت البقل |
أي : نبت. وقرأ الزهري والحسن والأعرج «تنبت» بضم المثناة وفتح الموحدة. قال الزجاج وابن جني : أي تنبت ومعها الدهن ، وقرأ ابن مسعود «تخرج» بالدهن ، وقرأ زرّ بن حبيش «تنبت الدهن» بحذف حرف الجرّ. وقرأ سليمان بن عبد الملك والأشهب «بالدهان». (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) معطوف على الدهن ، أي : تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهنا يدهن به. وكونه صبغا يؤتدم به. قرأ الجمهور (صِبْغٍ) وقرأ قوم «صباغ» مثل لبس ولباس ، وكل إدام يؤتدم به فهو صبغ وصباغ ، وأصل الصبغ ما يلوّن به الثوب ، وشبّه الإدام به لأن الخبز يكون بالإدام كالمصبوغ به (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) هذه من جملة النعم التي امتنّ الله بها عليهم ، وقد تقدّم تفسير الأنعام في سورة النحل. قال النيسابوري في تفسيره : ولعلّ القصد بالأنعام هنا إلى الإبل خاصة ؛ لأنها هي المحمول عليها في العادة ، ولأنه قرنها بالفلك وهي سفائن البرّ ، كما أن الفلك سفائن البحر. وبيّن سبحانه أنها عبرة ؛ لأنّها ممّا يستدلّ بخلقها وأفعالها على عظيم القدرة الإلهية ، ثم فصّل سبحانه ما في هذه الأنعام من النعم بعد ما ذكره من العبرة فيها للعباد ، فقال : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) يعني سبحانه : اللبن المتكوّن في بطونها المنصبّ إلى ضروعها ، فإنّ في انعقاد ما تأكله من العلف واستحالته إلى هذا الغذاء اللذيذ ، والمشروب النفيس ؛ أعظم عبرة للمعتبرين ، وأكبر موعظة للمتّعظين. قرئ (نُسْقِيكُمْ) بالنون على أن الفاعل هو الله سبحانه ، وقرئ بالتاء الفوقية على أن الفاعل هو الأنعام. ثم ذكر ما فيها من المنافع إجمالا فقال : (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) يعني في ظهورها وألبانها وأولادها وأصوافها وأشعارها ، ثم ذكر منفعة خاصة فقال : (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) لما في الأكل من عظيم الانتفاع لهم ، وكذلك ذكر الركوب عليها لما فيه من المنفعة العظيمة فقال : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) أي : وعلى الأنعام ، فإن أريد بالأنعام الإبل والبقر والغنم ، فالمراد : وعلى بعض الأنعام ، وهي الإبل خاصّة ، فالمعنى واضح. ثم لما كانت الأنعام هي غالب ما يكون الركوب عليه في البرّ ضمّ إليها ما يكون الركوب عليه في البحر ، فقال : (وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) تتميما للنعمة وتكميلا للمنّة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : السلالة : صفو الماء الرقيق الذي يكون منه الولد. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : إن النطفة إذا وقعت في الرحم طارت في شعر وظفر فتمكث أربعين يوما ، ثم تنحدر في الرحم فتكون علقة. وللتابعين في تفسير السلالة أقوال قد قدّمنا الإشارة إليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) قال : الشعر والأسنان. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) قال : نفخ فيه الروح ، وكذا قال : مجاهد وعكرمة والشعبي والحسن وأبو العالية والربيع بن أنس والسدّي والضحّاك وابن زيد ، واختاره ابن جرير. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) قال : حين استوى به الشباب. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن صالح أبي الخليل قال : لما نزلت هذه