سورة الرّعد
قد وقع الخلاف هل هي مكية أم مدنية؟ فروى النحّاس في ناسخه عن ابن عباس أنها نزلت بمكة. وروى أبو الشيخ وابن مردويه عنه أنها نزلت بالمدينة. وممّن ذهب إلى أنها مكية سعيد بن جبير والحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد. وممّن ذهب إلى أنها نزلت بالمدينة ابن الزبير والكلبي ومقاتل. وقول ثابت : أنها مدنية إلا آيتين منها فإنهما نزلتا بمكة ، وهما قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) (١) [إلى آخرها] (٢). وقيل : [مدنية إلا] (٣) قوله : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) (٤). وقد روي هذا عن ابن عباس أيضا وقتادة. وقد أخرج ابن أبي شيبة ، والمروزي في الجنائز ، عن جابر بن زيد قال : كان يستحبّ إذا حضر الميت أن يقرأ عنده سورة الرعد ؛ فإن ذلك يخفّف عن الميت ، وإنه أهون لقبضه ، وأيسر لشأنه.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤))
قوله : (المر) قد تقدّم الكلام في هذه الحروف الواقعة في أوائل السور بما يغني عن الإعادة ، وهو اسم للسورة مرفوع المحل على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو على أنه مبتدأ خبره ما بعده ، والتقدير على الأوّل هذه السورة اسمها هذا ، والإشارة بقوله : (تِلْكَ) إلى آيات هذه السورة ، والمراد بالكتاب السورة ، أي : تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة الشأن ، ويكون قوله : (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) مرادا به القرآن كلّه ، أي : هو الحقّ البالغ في اتّصافه بهذه الصفة ، أو تكون الإشارة بقوله : (تِلْكَ) إلى آيات القرآن جميعه على أن المراد بالكتاب جميع القرآن ، ويكون قوله : (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) جملة مبينة لكون هذا المنزل هو الحقّ. قال الفرّاء : والذي رفع بالاستئناف وخبره الحق. قال : وإن شئت
__________________
(١). الرعد : ٣١.
(٢). ما بين حاصرتين من تفسير البحر.
(٣). ما بين حاصرتين من الدر المنثور.
(٤). الرعد : ٣١.