تأويل أحاديث الأمم والكتب ؛ وقيل : المراد به إحواج إخوته إليه ؛ وقيل : إنجاؤه من كلّ مكروه ؛ وقيل : إنجاؤه من القتل خاصة (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) فيجمع لك بين النبوّة والملك ، كما تدلّ عليه هذه الرؤيا التي أراك الله ، أو يجمع لك بين خيري الدنيا والآخرة ، (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) وهم قرابته من إخوته وأولاده ومن بعدهم ، وذلك أن الله سبحانه أعطاهم النبوّة كما قاله جماعة من المفسرين ، ولا يبعد أن يكون إشارة إلى ما حصل لهم بعد دخولهم مصر من النعم ؛ التي من جملتها كون الملك فيهم مع كونهم أنبياء (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ) أي إتماما مثل إتمامها على أبويك ؛ وهي نعمة النبوّة عليهما ، مع كون إبراهيم اتّخذه الله خليلا ، ومع كون إسحاق نجّاه الله سبحانه من الذّبح وصار لهما الذرّية الطيبة ؛ وهم يعقوب ، ويوسف ، وسائر الأسباط. ومعنى (مِنْ قَبْلُ) من قبل هذا الوقت الذي أنت فيه ، أو من قبلك ، وإبراهيم وإسحاق عطف بيان لأبويك ، وعبّر عنهما بالأبوين مع كون أحدهما جدّا ؛ وهو إبراهيم ؛ لأنّ الجدّ أب (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ) بكل شيء (حَكِيمٌ) في كلّ أفعاله ، والجملة مستأنفة مقرّرة لمضمون ما قبلها تعليلا له ؛ أي فعل ذلك لأنه عليم حكيم ، وكان هذا كلام من يعقوب مع ولده يوسف تعبيرا لرؤياه على طريق الإجمال ، أو علم ذلك من طريق الوحي ، أو عرفه بطريق الفراسة وما تقتضيه المخايل اليوسفية.
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) قال : بيّن الله حلاله وحرامه. وأخرج ابن جرير عن معاذ قال : بيّن الله الحروف التي سقطت عن ألسن الأعاجم ، وهي ستة أحرف. وأخرج الحاكم عن جابر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلا قرآنا عربيا ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألهم إسماعيل هذا اللسان العربيّ إلهاما». وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : نزل القرآن بلسان قريش ، وهو كلامهم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : قالوا : يا رسول الله ؛ لو قصصت علينا ، فنزلت : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ). وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مثله. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) قال : من الكتب الماضية وأمور الله السالفة في الأمم ، (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل هذا القرآن (لَمِنَ الْغافِلِينَ).
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) قال : القرآن. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) قال : رؤيا الأنبياء وحي. وأخرج سعيد بن منصور والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي ، وابن حبان في الضعفاء ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصحّحه. وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال : «جاء بستاني اليهودي إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له ، ما أسماؤها؟ فسكت النبيّ صلىاللهعليهوسلم فلم يجبه بشيء ، فنزل عليه جبريل فأخبره بأسمائها ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى البستاني اليهودي فقال : هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ قال : نعم ، قال : جريان ، والطارق ، والذيال ، وذو الكتفين ، وقابس ، ووثّاب ، وعمودان ، والفيلق ، والمصبح ، والضروح ، وذو القرع ، والضياء ، والنور ، رآها في أفق السماء ساجدة له ، فلما قصّ يوسف