أي : رسالة. وقال العباس بن مرداس :
ألا من مبلغ عنّي خفافا |
|
رسولا بيت أهلك منتهاها |
أي : رسالة. قال أبو عبيدة أيضا : ويجوز أن يكون الرسول بمعنى : الاثنين والجمع ، تقول العرب : هذا رسولي ووكيلي ، وهذان رسولي ووكيلي ، وهؤلاء رسولي ووكيلي ، ومنه : قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) وقيل معناه : إن كل واحد منا رسول ربّ العالمين ، وقيل : إنهما لما كان متعاضدين متساندين في الرسالة ، كانا بمنزلة رسول واحد. و (أَنْ) في قوله : (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) مفسرة لتضمن الإرسال المفهوم من الرسول معنى القول (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) أي : قال فرعون لموسى بعد أن أتياه وقالا له ما أمرهما الله به ، ومعنى «فينا» أي : في حجرنا ومنازلنا ، أراد بذلك المنّ عليه ، والاحتقار له ، أي : ربيناك لدينا صغيرا ، ولم نقتلك فيمن قتلنا من الأطفال (وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) فمتى كان هذا الذي تدّعيه؟ قيل : لبث فيهم ثماني عشرة سنة ، وقيل : ثلاثين سنة ، وقيل : أربعين سنة ، ثم قرّره بقتل القبطي فقال : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) الفعلة بفتح الفاء : المرّة من الفعل ، وقرأ الشعبي (فَعْلَتَكَ) بكسر الفاء ، والفتح : أولى ، لأنها للمرّة الواحدة لا للنوع ، والمعنى : أنه لما عدّد عليه النعم ذكر له ذنوبه ، وأراد بالفعل قتل القبطي ، ثم قال : (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) أي : من الكافرين للنعمة حيث قتلت رجلا من أصحابي ، وقيل المعنى : من الكافرين بأن فرعون إله ، وقيل : من الكافرين بالله في زعمه لأنه كان معهم على دينهم ، والجملة في محل نصب على الحال (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أي : قال موسى مجيبا لفرعون : فعلت هذه الفعلة التي ذكرت ، وهي قتل القبطي وأنا إذ ذاك من الضالين : أي : الجاهلين ، فنفى عليهالسلام عن نفسه الكفر ، وأخبر أنه فعل ذلك على الجهل ؛ قبل أن يأتيه العلم الذي علمه الله. وقيل المعنى : من الجاهلين أن تلك الوكزة تبلغ القتل. وقال أبو عبيدة : من الناسين (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) أي : خرجت من بينكم إلى مدين كما في سورة القصص. (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) أي : نبوّة ، أو علما وفهما. وقال الزّجاج : المراد بالحكم تعليمه التوراة التي فيها حكم الله (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) قيل : هذا الكلام من موسى على جهة الإقرار بالنعمة ، كأنه قال : نعم تلك التربية نعمة تمنّ بها عليّ ، ولكن لا يدفع ذلك رسالتي ، وبهذا قال الفراء وابن جرير ، وقيل : هو من موسى على جهة الإنكار ، أي : أتمنّ عليّ بأن ربيتني وليدا ، وأنت قد استعبدت بني إسرائيل وقتلتهم وهم قومي؟. قال الزجاج : المفسرون أخرجوا هذا على جهة الإنكار بأن يكون ما ذكر فرعون نعمة على موسى ، واللفظ لفظ خبر ، وفيه تبكيت للمخاطب على معنى : أنك لو كنت لا تقتل أبناء بني إسرائيل ، لكانت أمي مستغنية عن قذفي في اليمّ ، فكأنك تمنّ عليّ ما كان بلاؤك سببا له ، وذكر نحوه الأزهري بأبسط منه. وقال المبرد : يقول التربية كانت بالسبب الذي ذكرت من التعبيد ، أي : تربيتك إياي كانت لأجل التملك والقهر لقومي. وقيل : إن في الكلام تقدير الاستفهام ، أي : أو تلك نعمة؟ قاله الأخفش ، وأنكره النحاس. قال الفراء : ومن قال إن الكلام إنكار قال معناه : أو تلك نعمة؟ ومعنى (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : اتخذتهم عبيدا ،