لمعانيه لمن يقرؤه ، أو هو من أبان بمعنى : بان معناه ، واتضح إعجازه بما اشتمل عليه من البلاغة. وقدّم وصف القرآنية هنا ، نظرا إلى تقدّم حال القرآنية على حال الكتابية وأخّره في سورة فقال : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) (١) نظرا إلى حالته التي قد صار عليها ، فإنه مكتوب ، والكتابة سبب القراءة ، والله أعلم. وأما تعريف القرآن هنا ، وتنكير الكتاب ، وتعريف الكتاب في سورة الحجر ، وتنكير القرآن فلصلاحية كلّ واحد منهما للتعريف والتنكير (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) في موضع نصب على الحال من الآيات أو من الكتاب ، أي : تلك آيات هادية ومبشرة ، ويجوز أن يكون في محل رفع على الابتداء ، أي : هو هدى ، أو هما خبران آخران لتلك ، أو هما مصدران منصوبان بفعل مقدّر ، أي : يهدي هدى ويبشر بشرى. ثم وصف المؤمنين الذين لهم الهدى والبشرى فقال : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) والموصول في محل جرّ ، أو يكون بدلا أو بيانا ، أو منصوبا على المدح ، أو مرفوعا على تقدير مبتدأ. والمراد بالصلاة : الصلوات الخمس ، والمراد بالزكاة : الزكاة المفروضة ، وجملة (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) في محل نصب على الحال ، وكرّر الضمير للدلالة على الحصر ، أي : لا يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان ، والعمل الصالح ، وجعل الخبر مضارعا للدلالة على التجدد في كلّ وقت وعدم الانقطاع. ثم لما ذكر سبحانه أهل السعادة ذكر بعدهم أهل الشقاوة فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وهم الكفار ، أي : لا يصدّقون بالبعث (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) قيل : المراد زين الله لهم أعمالهم السيئة حتى رأوها حسنة. وقيل : المراد أن الله زين لهم الأعمال الحسنة ، وذكر لهم ما فيها من خيري الدنيا والآخرة ، فلم يقبلوا ذلك. قال الزجاج : معنى الآية أنا جعلنا جزاءهم على كفرهم أن زينا لهم ما هم فيه (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) أي : يتردّدون فيها ، متحيرين على الاستمرار ، لا يهتدون إلى طريقة ، ولا يقفون على حقيقة. وقيل : معنى يعمهون : يتمادون. وقال قتادة : يلعبون ، وفي معنى التحير. قال الشاعر :
ومهمه أطرافه في مهمه |
|
أعمى الهدى بالحائرين العمّه |
والإشارة بقوله : (أُوْلئِكَ) إلى المذكورين قبله ، وهو مبتدأ خبره (لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) قيل : في الدنيا ، كالقتل ، والأسر ، ووجه تخصيصه بعذاب الدنيا ، قوله بعده : (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) أي : هم أشدّ الناس خسرانا ، وأعظمهم خيبة ، ثم مهد سبحانه مقدّمة نافعة لما سيذكره بعد ذلك من الأخبار العجيبة ، فقال : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) أي : يلقى عليك فتلقاه ، وتأخذه من لدن كثير الحكمة ، والعلم ، قيل : إن لدن هاهنا : بمعنى عند. وفيها لغات كما تقدّم في سورة الكهف (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) الظرف منصوب بمضمر وهو ذاكر. قال الزجاج : موضع إذ نصب ، المعنى : اذكر إذ قال موسى ، أي : اذكر قصته إذ قال لأهله ، والمراد بأهله : امرأته في مسيره من مدين إلى مصر ، ولم يكن معه إذ ذاك إلا زوجته بنت شعيب ، فكنى عنها بلفظ الأهل ، الدالّ على الكثرة ، ومثله قوله : (امْكُثُوا) ومعنى
__________________
(١). الحجر : ١.